الكل يعرفه ب"مولد أمة" ذلك الأوبريت الغنائي الفخم الذي أقيم في افتتاح الجنادرية، الموسيقي محمد شفيق المولود في العام 1947 م اهتم بصناعة الاوبريتات والألحان الاستثنائية التي تغنى بها كبار مطربي الخليج تقدمهم صوت الأرض طلال مداح "رحمه الله" والفنان عبدالكريم عبد القادر وفنان العرب محمد عبده وعبد المجيد عبدالله وغيرهم من النجوم، شفيق التهم الموسيقى صغيراً فنضج وأصبح كبيراً بعطائه وقيمته اللحنية، وفجأة وبدون سابق إنذار غاب عن الأنظار، لكنه عاد للواجهة من جديد بعد الإعلان عن أمر صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بعلاجه في أي مستشفى بالعالم. (الرياض) التقت محمد شفيق الذي يعيش هذه الأيام معاناة صحية حرجة ويجلس على كرسي متحرك وذلك ليتحدث عن هذه المكرمة التي نالها من الأمير متعب بن عبدالله وعن معاناته وعن سبب اختفائه لسنوات. فإلى الحوار: * حدثني بدايةً عن وضعك الصحي؟ -الحقيقة أنني تعرضت قبل عام لقرحة في المعدة، وبسبب سوء التغذية والحجبة والخوف من الألم تراجع وزني (40كيلو)، ومن ثم تعبت أعصابي وأصابها الخمول وبالتالي لم أعد أستطيع المشي أو الحركة بالشكل الطبيعي، وبعد ذلك حصل انسداد في الشرايين، وتم إقرار عملية جراحية، لكنهم لم يستطيعوا إجراءها في موعدها المحدد وبسبب خمول الأعصاب. * بعد ان أمر وتكفل صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز بعلاجك في أي مكان في العالم.. ماذا تقول؟ -هذه ليست جديدة على ولاة الأمر بل هذا هو ديدنهم، وطوال حياتنا لا نرى أو نسمع عنهم إلا كل خير، ولا نستغرب من متعب بن عبدالله هذا الأمر فهو ابن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي عرف بإنسانيته وحبه للمواطن ودعمه للمحتاجين في أي مكان في العالم، لذا ليس غريباً على الأمير متعب بن عبدالله أن يسلك مسلك والده.. فهو ابن لملك الإنسانية وبالتالي دعمه لي بتكفل العلاج في أي مكان بالعالم ما هو إلا سير على نفس النهج الذي تمشى عليه حكومتنا الرشيدة أدامها الله، وأنا أعتبره دعماً وتكريماً ومساعدة لي من رجل غمرنا بفضله منذ زمن لاهتمامه بالثقافة والتراث السعودي. طلال مداح «رحمه الله» ولو كنت أستطيع المشي لذهبت له من جدة إلى الرياض لأشكره، لأنني عانيت كثيراً من هذا المرض الذي أصابني فجأة. * لكنك غبت عن الساحة الغنائية منذ فترة طويلة وحتى قبل أن تصاب بهذا العارض الصحي.. لماذا؟ -المشكلة الكبيرة هي أننا فقدنا هويتنا وثقافتنا، والسبب يعود لدخول الفنانين المفلسين في خط الأغنية السعودية وذلك لوفرة مبيعاتها، وللأسف ان هؤلاء (بهذلوا) أغانينا وتراثنا وألواننا النجدية والحجازية والجنوبية وغيرها، ولا أعلم ما هو سبب تهافت الفنانين الآخرين على أغنيتنا، ولذا كان لابد من المسئولين عن الفن حالياً محاربة التقهقر والفساد في الأغنية بدلاً من مساعدتهم لهؤلاء الدخلاء، الذين تسببوا في نزوح العديد من الشعراء والملحنين المبدعين. * من تقصد من المعنيين بالأغنية هل تقصد"الشعراء والملحنين"؟ بكل تأكيد البعض أصبح عالة كبيرة على الأغنية السعودية خاصة من يسمون ب(تجار الشنطة) الذين لا يفقهون بالفن السعودي إلا اسمه، فقط ما عليهم إلا استخدام التراث وتوزيعه من جديد. بعض الشعراء أصبحوا يكتبون أي شيء لأنهم يعرفون أن قصائدهم ستُغنى حتى لو كانت سيئة، وهذه كارثة في حق الفن السعودي، والجميع من المتابعين للساحة الفنية أصبحوا يعرفونهم جيداً، وبعضهم عرفت شخصيته من خلال المشاكل التي يثيرها، حتى أن الملحنين لهم الجزء الأكبر في ضياع هوية الأغنية السعودية، والغريب أنهم لا يمتلكون أي ثقافة في الفن وليس لهم علاقة به.. * ألم تحدث مثل هذه التصرفات في عالم الفن السعودي.. (أيام زمان)؟ -نهائياً كنا نجلس مع بعضنا ونتعاون هذا يكتب وهذا يلحن وهذا يغني، وكنا شلة واحدة جل اهتمامنا هو رفعة الأغنية السعودية ومنافستها الآخرين حتى وصلنا لأعلى الهرم الغنائي العربي بألحاننا وتراثنا وأصواتنا، كنا كوكبة من الفنانين الذين خدموا الفن من أبرزهم طلال مداح ومحمد عبده ومن الذين استفدت منهم الأستاذ إبراهيم خفاجي الذي كان يساعدنا في التلحين وكيف نستخدم الكلمة وكيف نستخدم الفلكلور ونسخره لخدمة اللحن، وهذه الحالة تختلف كثيراً عما يحدث في الحاضر، فبعض الشعراء ينتج العمل ويأتي بالفنان حسب اختياره وقيمته والوسيط هو تاجر الشنطة الملحن "المفسد" لقيمة التراث، وهذه الأغاني تنتهي سريعاً بسبب رداءتها ونوايا تجار الشنطة السيئة. محمد شفيق * تتحدث عن التراث والفلكلور في السعودية.. لماذا لم يعد له حضور؟ -إن بلدنا غنية بفلكلورها الشعبي وكل منطقة لها لونها ولها أهازيجها ورقصتها فأتمنى الاهتمام بهذه الثقافات المختلفة وجمعها فهي لها مردود كبير على السعودية وتوصيل ثقافتنا للآخرين وخاصة خارج المملكة فالأمنية أن يتم توثيق هذا التراث، والاهتام بتأسيس الصغار في برامج الأطفال على حب هذا التراث. * كأنك تتحسر على حال الساحة الغنائية حالياً.. وتعتب على بعض المنتمين لها. -إن ما قدم سابقاً لن نندم عليه لأننا تعبنا حتى وصلت الأغنية السعودية إلى مرتبة متقدمة، لكن الموجودين حالياً يفسدون ما بنيناه في السابق، إضافة إلى انتشار القنوات الفضائية التي سهلت كثيراً من عملية إفساد الذوق العام، والمؤسف أن هذا النوع من الفنانين المفلسين قد انتشر كثيراً وأصبح الهم والهاجس هو (الفلوس) ولا تجد من يتحدث عن قيمة الأغنية وعناصرها الجمالية والإبداعية. والدليل اختفاء أعمال المناسبات من الأناشيد كشهر رمضان أو الأعياد وغيرها، فكنا سابقاً نتسابق عليها وكلٌ يبحث عن نشيد يقدمه بأفضل شكل، ولو رصدت أعمال الفنانين السابقين لوجدت أن نصف أعمالهم كانت تخص هذه المناسبات، وندرتها الحالية هي دليل آخر على تراجع الفكر في الأغنية السعودية، حيث ان الفنان الجديد يستخسر ماله في أعمال إنسانية من هذا النوع، ويبحث عن رقص الفتيات عبر الفيديو كليب!. محمد شفيق ومحمد عبده في الستينات الميلادية * ماذا تقول للفنانين الذين تعاونت معهم وهم في بداية الظهور؟ -تنتابني فكرة وأعتقد أنها رائعة، فمن المفترض على عبدالمجيد عبدالله أو راشد الماجد أن يتعاونا مع كل ملحن قديم قدم له أغنية، على أقل تقدير مجاملة له لأنه تعاون معهم في بداية ظهورهم، ومن ثم يحافظ على اللون السعودي الذي قضى عليه بألوان دخيلة علينا، وأنا اقول لهم يا جماعة جاملونا على الأقل وهنا اسمح لي أن أسجل رسالة عتب على عبدالمجيد الذي ابتعد عن اللون الحجازي وتناساه، "يا أخي جاملني على الأقل".