مجرد التفكير في الموت مؤلم ، كيف وقد عشت لحظاته مع أغلى حبيب وأقرب قريب سكرة بزفرة ورجفة بعبرة حتى خرجت روحها المطمئنة وأنا بين الخوف والذهول يجمعني الرجاء تارة في إنعاشها وتبددني حرقة فراقها تارة أخرى. لقد نسيت بمن استنجد كيف أتصرف صرت أطل عليها مرة وأبحث عمن ينقذها مرة . بينما وقع اليقين في قلب أختي لتيممها وتشهدها وتحمد الله على قضائه وقدره.. بعدها أيقنت أنا أيضا أنها رحلت وتركتنا آه يا وجع قلبي من سيحمل همي من سأدس رأسي في صدره لأجرع الحنان والأمان من سيقول لي مجيباً ندائي "أمي و ابوي" من سيرد عني نوائب الدهر وجحوده بطيب دعائه وصفاء نواياه ، ومن لصغيرتي بعدك ؟ بالله قولي كيف تسلو من تلثم ودك في كل ساعة ؟ كيف تعزو وقد كنتِ تسهرين على راحتها كما كنتِ تفعلين مع إخوتها ؟. ملهمتي التي لن يفوقها من في الكون حباً وحناناً، علاقتي بك علاقة انصهار غدينا روحاً واحدةً في جسدين . آه يا جسدك الطاهر كيف سأضمه كيف سأقبلك بعد اليوم حتماً سيحرقني الشوق إلى تقبيل قدميك . غاليتي ليس للموت سلطان على قلبي سيظل مستعمرتك التي تملكين سيغيب كل شيء إلا أنتِ أتعلمين لماذا ! لأنك لستِ أماً أنتِ أمة.. لله درك من امرأة ضربت أروع صور الصبر والوفاء ، لله درك يوم عشت شابة تملؤها الثقة والأنفة تقوم مقام الرجل في أسرتها، وتكرم ضيوف والدها -أطال الله في عمره- لله درك يوم كنتِ زوجة بين مجموعة زوجات فغدت الكبرى أماً والأخريات أخوات ، لله درك يوم مات والدي -رحمه الله - وصرتِ الأب والأم والصحبة والأهل ، أبيتِ أن يشاركك أحد في رعايتنا جمعتنا تحت جناحك وأورفتنا بظلالك وعطفك . حرمتِ نفسك من ملذات الدنيا رأفة ببناتك ، سرقتِ من عمرك لتعطينا وصببتِ دمك لتسقينا . تعلمنا منك أن البنت كالولد يميزهما الخلق الطيب ويعيبهما سوء الأفعال . عرفنا معك معنى التسامح فلك قلب لم أعرف أكبر منه تحتوين الألم بالأمل وتزرعين المحبة في دروب الشوك تحسنين مع الإساءة تقاسمين الناس همومهم وتشاركينهم أفراحهم تصلين الرحم وتبرين في القريب والبعيد. حبيبتي والدك وأخواتك أهلك وجيرانك أحبابك وكل من يعرفك حسراتهم لفقدك جمرات ، لقد شهدتُ دموعهم تختلط بلوعة فقدك لن ينسوك وخلفهم فيك الصبر والثواب لن يستطيع شخص أن يكون مثلك لأنك لست في البشر، لا أبالغ بل أعرفك أمي ملكة الإيثار ورأس الرحمة ومنبع الحب والعطاء في دنياي . جنتي عزائي فيك إيماني بأنه تعالى اصطفاك مطهرة بمشيئته واستحب لقاءك إلى جواره ، ولم يطل بشدته عليك حتى أنه لم تمهلني الأيام لأبر بك بل كنتِ إلى آخر ساعة في قوتك تقومين على شؤوننا ..عشقك للمسؤولية لم يعطنا شرف تلك الفرصة حتى وقت مرضك الذي لم يتجاوز الشهرين لم استطع إلا أن أبكي لم يكن بوسعي أن أنقذك أن أرد المرض عنك كلما نظرت إليك وأنتِ مسجاة على سرير المرض من غير حركة ولا شعور تقطعت أنياط قلبي . كنت على أمل بالرغم من حقائق الطب التي أكدت أن لا شفاء وأن الموت قريب ... كنت على أمل لأني أعلم أن رحمة الله أكبر. الحمد الله الذي جعل لك من أمرك فرجاً ومخرجا ولم يطل بشدته عليك فاسترد أمانته في يوم فضيل ودفنتِ في ساعة استجابة وصلى عليك جمع غفير رجالاً ونساء قد كنتِ تحملين هماً.. من سينزلك في قبرك وليس لك ولد ؟! لقد تسابق "يا أم نوره" أولادك البررة ممن أحببتهم ومنحتهم على شرف إنزالك في قبرك لقد بكوك رجالاً يعرفون أنك امرأة تندر في الوجود. أمي ظننت أني المكلومة وأخواتي ولكن ما رأيته من تلك الجموع المعزية التي جاءت تذكرك بطيب أفعالك وما رووه من مواقفك النبيلة جعلني على يقين بأنك لست مجرد أم بل أمة .. اللهم ارحمها كما ربتني صغيرة وأكرم نزلها بما وهبتني وارفع درجتها بما رفعتني وجازها بإحسانها إحسانا وبأخطائها عفواً وغفراناً وأنزل علينا السكينة والصبر والسلوان. وأسأل العلي القدير الأجر والثواب لكل من واسانا ووقف معنا في مصابنا أطال الله في أعماركم جميعاً بطاعته ورضاه . وإنا لله وإنا إليه راجعون.