عشرة أشهر فقط هي الفترة التي فصلت بين تقديمي لواجب العزاء في الشيخ أحمد بن محمد السليمان العنقري وتقديمي لواجب العزاء في شقيقه العم عبدالعزيز. كأن الأمر أشبه بالحلم. أتذكر عندما ذهبت للتعزية في وفاة الشيخ احمد بعد انتهاء مجلس العزاء لم يكن هناك سواي من خارج الأسرة. أخجلني الجميع من فرط حفاوتهم وكريم تعاملهم رغم إني كنت من أصغرهم سنا وقدرا. غريب أمر هذه الأسرة. سلوكها مزيج من التهذيب البالغ والتواضع الجم فضلا عن العلم ودماثة الأخلاق. تلك الصفات لو وجد بعضٌ منها لدى فرد ما لأصبح مقبولا وفق معايير المجتمع، فما بالك وهي موجودة في أسرة كاملة. تعرفت على الشيخ احمد في منزل العم عبدالعزيز بعد أن كنت قد سمعت عنه عن طريق صديقي ابنه الأستاذ حسن. يأسرك الشيخ بغزارة علمه وطلاوة حديثه رحمه الله. زاملت عبدالعزيز السليمان "أبا نبيل" لسنوات قاربت العشرين وتشرفت بالسفر معه ما لا أحصيه من المرات. تعلمت منه الكثير الكثير ولم أره أبدا في منظر يخجل منه أمام الله أو الناس. تلك الزمالة تطورت فيما بعد إلى جيرة استمرت هي الأخرى لسنوات. كان رحمه الله وأهل بيته يعاملونني وأسرتي كأفراد العائلة. "أم نبيل" تلك السيدة الفاضلة كانت أما لزوجتي وكريماتها أخوات لها. نبيل وفيصل، نجلاه، اللذان أخذا من والدهما السماحة وحسن الطوية كانا أفضل ما يمكنك تخيله من الجيران. ما تزال في حلقي غصة كلما تذكرت أبا نبيل. رغم ذلك، أدرك أن ألمي، مهما عظم، يبقى اخف من ألم ولوعة ذويه. اخوته الشيخ ابراهيم ومعالي الاستاذ صالح والمهندس عبدالله واحفاد محمد بن سليمان جميعا خسارتهم بلا شك اعظم من خسارتي. لم اعرف قط - والله يشهد- احدا يكن العداء لابي نبيل. ولم اسمع منه قط تعبير كراهية تجاه أي شخص. احبابه الكثر وسمعته العطرة جعلته صديقا للجميع. لذا عندما رحل غصت المقبرة والمنزل بالمعزين. رحم الله الشيخ احمد والعم عبدالعزيز، فقد كانا رجلين استثنائيين من الرعيل الاول الذين لم تزدهم سعة الرزق والمناصب العليا واقبال الدنيا الا قربا من الله وتواضعا مع الناس. اسأل الله صادقا ان تكون سمعتي ومحبة الناس لي عند رحيلي من دار الفناء هذه إلى دار البقاء في مثل سمعة هذين الرجلين الكبيرين.