(الإثم هو ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس). هذا التعريف الذي تعودناه ودرسناه ، وهو الصورة الداخلية او الذاتية لعلاقة الفرد بالمجتمع حواليه ، ولأنها صورة قاتمة لذلك تبقى بالنفس ويخشى صاحبها أن يراها الناس ، أو صورته هو بداخله ، كرهه مثلا لنوع معين من ا لناس ، أو تمنيه لغيره أمنيات سوء لا يريد أن يطلع أحد عليها ، ربما تشقيّه ، ربما حسده ، وربما أشياء اخرى لكن كلها تدخل في الوجه غير السوي .. الإثم الذي يحاك في النفس ويكره أن يطلع عليه الناس ، هل حقيقة لا يطلع عليه الناس ؟ والإنسان يبرز الوجه الجميل ، ويخبئ الوجه القذر إن صح التعبير في داخله ؟ هل صحيح أن الإنسان يستطيع أن يداري الخبث والحسد ، ويتركهما يعتملان في داخله حتى يجد فرصة الانقضاض على خصمه ؟ هذا الخصم الذي قد يكون خصما حقيقيا ، أو خصما لا يعرف شيئا عن تلك الخصومة ، وخاصة الخصم الذي ليس بيده الخصومة ولم يؤسس لها ، كالشجاع المقدام والناجح ، الذي يرى فيه المتخاذل المتكل أو حتى غير اللامع في المجتمع ، وغير القادر على النجاح وتكوين العلاقات الخاصة به ، هذا يراه خصما لابد من هدمه بأي وسيلة أو على الأقل النيل منه وتشويهه . بعض الناس يعرفون ذاك الذي يعتمل الإثم في قلبه من حركات الجسد التي تشيء به ، حركات يتلقاها الجسد من العقل في الداخل دون أن تمر على الوجه الآخر لتتهذب . ومن ثم تشيء لصاحبها ، لكن هناك من الناجحين ممن ليس لديهم وقت لتفسير تلك الحركات ، لذا فهم في شغلهم الناجح عن التدابير التي قد يكون الإثم يعد لها . الناجحون الذي لا يبالون بمن يتصيد لهم هم كالشمس بالأعالي ، لا تفكر كم شجرة تنتظر شروقها ، ولا كم وردة تريدها كي تتفتح ، ولا كم عاملا يتنظرها ليذهب لعمله ، ربما وهو يردد أناشيد الصباح والفلاح والرزق الحلال . الناجحون الذين لا يبالون بمن يحيك الإثم في قلوبهم كثر ، ولكن هناك المتبرعون بنقل الإثم ، فإذا كان صاحب الإثم مثل صانع الخمر فناقل الإثم كناقل الخمر ومجالسه . الغيرة التي تعتمل بالنفس نوعان ،هناك الغيرة السلبية وهي بحق سالبة للتفكير والعقل ، وسالبة أيضا لحركة صاحبها في عمل الخير وفي الإبداع ، والبحث عن مؤهلاته ، لذا يلجأ من تعتمل في نفسه هذه الغيرة للتقليل من شأن الآخرين واختلاق الأكاذيب حولهم كي يعيقهم ، بالمقابل الغيرة الإيجابية وهي أن يكون هناك سبل للنجاح والتفوق كما تفوق الآخر ونجح ، وأن تسلك الطرق الجميلة للإبداع والتفوق ، ومنها الدراسة والتعلم والتفكير المنطقي ، وهذا يأتي بالتدريب على التجرد من الغيرة السوداوية وتنظيف السريرة قبل كل شيء . الوصول للسعادة عادة يكون بتدريب النفس على عدم القناعة بالبسيط من العلم والعمل إنما بالتفكير بتذليل الصعاب ، وعدم الوقوف أمام الصعاب مكتوفي الأيدي لنقل كيف يمكننا أن نصعد الجبل ، ونرضى بالسفح ، فيحق علينا ما قاله الشابي : ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر كذلك قالت لي الكائنات وحدثني روحها المستتر *. هو الإثم الذي لابد من تطهير النفس منه حتى لا يتوالد كما البكتيريا في داخلها .. * أبو القاسم الشابي من قصيدة "إذا الشعب يوماً أراد الحياة"