بين النهايات المفتوحة، والنصوص ذات النهايات المغلقة يحار الكاتب والمتلقي، فالبعض يعتقد أن القصة رسالة وعلى القاص إيصالها بطريقة محددة تماما، وكأن هنالك حكمة أو قول مأثور يجب ترسيخه، فضلا عن أنها تفضح أفكار الكاتب وتكشف رؤيته، والبعض الآخر يقول إن النهايات المفتوحة تشحذ عقل القارئ، وتتركه يصنع الحل كما يشتهي، بل تترك لديه خيارات التأويل .. فعنصر الدهشة الذي يجب أن تتحلى به القصة، تبرزه الخاتمة، وهي التي تعطيه قوة الإبهار، و تظهر ذكاء الكاتب في إقفاله للنص كتابيا وفتحه معرفيا. ولاننسى ثقافة القارئ والمتلقي التي تعتبر جزءاً آخر مكملاً للقصة، فبقدر مايكون القارئ مثقفا متمرسا ، بقدر ما يكمل القصة في رؤيته للجانب غير المكتوب منها . يرى الناقد والقاص الدكتور أحمد عسيري عضو نادي تبوك الأدبي؛ بأنه يجب الأخذ بالاعتبار أن الحدث هو الذي يحدد نهاية القصة، لأنه إذا اكتمل فنيا وهو الأصل فيجب أن تحدد نهاية قطعية للقصة، أما في حال عدم النمو الفني فقد يعمد القاص لترك النهاية لتصور المتلقي، وفي الغالب يكون ذلك عند وجود أكثر من خيار يحتار فيه كنهاية مقنعة ولا يستطيع أن يفاضل بينها. أما في حال أن موضوع القصة مشكلة اجتماعية مثلا، قد يعمد القاص إلى عدم الإنهاء، ومن منطلق أن واجبه يتمثل في إبراز المشكلة تحديدا وعدم تقمص دور المصلح أو الأخصائي الاجتماعي، ويندرج ضمن ذلك النصوص المعالجة للممارسات الحياتية التي تتأثر بظواهر مثل: التسيب الأمني، المشكلة الاقتصادية، كالغلاء، والاحتكار..الخ. وهناك بعض النهايات تشكل موضوعا يدور حول نفسه، ويتجدد كلما اشرف على النهاية، ومثال ذلك تصور حالة حركية مهنية، كسائق اجرة أو بائع جائل، أو محصل تذاكر، وحصول تفاعل مع آخرين من شرائح المجتمع عبر مواقف متباينة بحكم اختلاف السن، النوع، المكانة، كل ذلك يجعل من كل حالة أو موقف ما يشكل بداية لحالات أخرى، أو امتدادا لسابقة، مما يحتم الاستمرارية، وبمعنى أن أي نهاية لا تشكل حلا منطقيا في نهاية السرد. أما التقليد كاحتذاء أو لمجرد التقليد لمجاراة من وظفوا نهايات مفتوحة بشكل جيد، فيقع ضمن إضفاء غموض متكلف، يفقد النص موضوعيته، وبالتالي لا يخفى على القارئ الحصيف والذي يلاحظ في هذا توجها يحسب على النص وليس له. أيضا عدم توفر مساحة حرية للقاص قد تفرض عليه اللجوء إلى الترميز في بعض المواضيع التي لا ترضي البعض، وانتقاء عبارات تشكل نهايات رمزية لا تقريرية مباشرة، أما خوفا من ردود الأفعال أو عدم خلق صدام مع الآخر. طاهر الزارعي كذلك النهايات الإيحائية، والتي فيها تحفيز لمخيلة المتلقي لاستشفاف أكثر من سبب لنهاية لم تحدد، أو لم تحسم تماما، مثل الرمز بالاختفاء أو الفقدان عوضا عن الموت المسبب أو سلب الحرية، وهذا ما يقع ضمن النهايات الواعدة والتي فيما يبدو لامست جزءا من الهم العربي خاصة مع الامتداد القصصي في الحراك الثقافي الذي يشهده العالم، واستجداد مواضيع ذات صبغة عالمية إصلاحية لكافة المتغيرات ( الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، والثقافية ) والتي هي بمثابة الرافد الذي لا ينضب لحالات تتوجب سردا يحاكي الواقع. القاص طاهر الزارعي ، سكرتير جماعة السرد بأدبي الأحساء يقول:من الجميل أن تكون القصة القصيرة ذات نهاية مفتوحة حيث تكون مشرعة على أكثر من نافذة، وبالتالي ستترك هذه القصة فرصة للمتلقي للمشاركة في الإبداع، والمشاركة في مصير الشخوص ومصير الأحداث ومصير الفكرة أيضا ، وعلى العكس تماما حينما تكون نهاية القصة مغلقة تنتهي بنهاية آخر سطر فيها فذلك مما يخمد توتر المتلقي، وتجعله غير مشارك ومؤول في العملية الإبداعية، والقاص المتمكن هو القادر على أن يخلق الدهشة بنهاية مفتوحة تستفز المتلقي ، وتلك تقنية سردية تضيف للقصة وتساعد قارئ القصة على تحريك المخيلة وابتكار نهاية للقصة التي قرأها .وقد أصبحت النهايات المفتوحة من أهم مايميز أسلوب القصة فلذا نجد الكثير من القاصين يحرصون على أن تكون نهايات قصصهم مفتوحة وذات تأويل إبداعي متجدد. في حين ترى القاصة شيمة الشمري من حائل: بأن النهايات في القصة تتنوع ، ومن هذه النهايات :النهاية العادية والمألوفة ، النهاية المغلقة ، النهاية المدهشة ، النهاية الصادمة ، ثم النهاية المفتوحة ، فإذا كانت النهاية المغلقة تقليدية ، لا تعير اهتماما للمتلقي ، بدليل أنها لا تترك له مجالا ولا حرية لطرح أسئلة إضافية ، بتكريس مفهوم القارئ المحافظ والمستهلك الذي يتقبل النص جاهزا وطازجا .أما النهاية المفتوحة فتنتصر للنص القصصي ، تحمل القارئ مهمة الفعل وتحريك الحدث ، والمساهمة في انفراج النص وانفتاحه على كل التأويلات، ومن ثمة انتزاعه من قارئ مستهلك للقوالب التقليدية بخواتمها الحاسمة والمستهلكة إلى قارئ عارف وعالم ومنتج ، لأن طبيعة هذه النهايات القصصية منفرجة ومفتوحة على كل التأويلات . والأكثر منه أن النهايات القصصية المفتوحة ضد النهايات التي تعبنا من مضغها ، ضد اليقين والجزم ، ضد الاطمئنان، والدروب المسدودة ، و ضد التثاؤب ، ومع التوثب، هي نهايات تحفز القارئ على التقدم حتى لا يغط المتلقي في النوم ، وتحفزه على التفكير إذا كان مصرا ومصمما وباحثا عن جمال القصة .النهايات المنفرجة والمفتوحة ، تربك ، تشتت ، وترفض قيادة المتلقي إلى حيث انتهى القاص بالضبط ، تقتل فيه الخجل ، وتستقوي لديه الشغب الجميل ، والمساهمة في بناء النص. هي دعوة للقلق والتأزم ، وبهذا فهذه النهايات لا تمنح الراحة للقارئ حتى يتنفس الصعداء ، بل تصدم الذوق ، تغمز ، ولا تؤمن بالوعظ والتوجيه ..النهايات المفتوحة ، ختاما ، الكاتب الذي يرضى عن قصته ، وضد القارئ الذي يبحث في القصة عن الخواتم المريحة.