عام 2009م لم يكن عاماً مناخياً عادياً بالنسبة للمملكة، حيث سجلت التحولات المناخية والبيئية حوادث لافتة تعرضت لها بعض المناطق ونتج عنها خسائر بشرية ومادية، ولعل كارثة السيول التي تعرضت لها مدينة جدة أوضح مثال على ذلك، وستترسخ المشاهد المؤلمة في أذهان الناس ليتذكروا تلك السنة كما تذكروا "سنة البرد" و"سنة الظلمة". وتفتح كارثة جدة لنا ملف ضعف مستوى رصد التقلبات المناخية وتأثيرها على البيئة والاقتصاد، خاصة سلامة الناس في حياتهم اليومية، وهل نحن على موعد مع تحولات مناخية أخرى جديدة؟، وماهي المناطق التي قد تكون معرضة لها؟.. ونورد هذه التحولات المناخية والبيئة خلال عام 2009م تباعاً بالتسلسل الزمني: *في 5 يناير تعرضت منطقة الحدود الشمالية ولثلاثة أيام لموجة صقيع وبرد قارس انخفضت خلالها درجات الحرارة إلى 8 درجات تحت الصفر، وتسببت موجة البرد في انقطاع الماء عن المساكن والأحياء بسبب تجمد الماء بالأنابيب. *في صباح 10 مارس اجتاحت عاصفة رملية مدينة الرياض، وقد قامت المدارس بعمليات إخلاء سريعة للطلاب نظراً لشدة العاصفة وقوتها، كما استقبلت أقسام الطوارئ في المستشفيات والمراكز الصحية حالات المصابين بالربو والإمراض. * في 20 مايو كشفت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية عن تحرك نشاط زلزالي في كل من العيص والقراصة والهدمة والعميد ونويبعة والرويضات والفرع والسهلة والمرامية والمشاش ووادي سنان والصحفة، وامتد الشعور بالهزة الأرضية في أملج وينبع والأحياء الشمالية من المدينةالمنورة. *في 27 نوفمبر هطلت أمطار غزيرة على مدينة جدة، وخلفت وراءها سيولا أدت إلى غرق عدد من الأحياء الجنوبية والغربية، متسببة بخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، حيث بلغت الوفيات 122 شخصاً وغرق 3000 منزل وأكثر من ثلاثة آلاف سيارة. تحولا ت مناخية تاريخية ولو عدنا إلى الوراء قليلا واستقرأنا الكوارث المناخية أوالبيئية التي حدثت في المملكة في القرن الماضي والتي تم تدوينها سنجد مايلي: *في عام 1345ه تعرضت منطقة نجد إلى تحول مناخي كبير سمي وقتها "سنة البرد"، واستمرت هذه الحالة ل40 يوما تساقط البرد فيها بكميات وأحجام كبيرة، متسببا في وفاة الكثير من الناس، إلى جانب وقوع خسائر مادية كبيرة. *في عام 1360ه ندر سقوط المطر، إلا انه في هذا العام كانت المحاصيل الزرعية وفيرة مقارنة بالأعوام التي سبقتها، لذلك سميت "سنة جبار"، لأنها جبرت بكثرة الزرع، فمطر قليل وإنتاج وفير من المزروعات. *في عام 1376ه شهدت منطقة القصيم هطول الأمطار دون انقطاع لخمسة أيام متواصلة، لدرجة انهيار بعض المنازل على أهلها، كما فركثير منهم إلى الصحراء وسكنوا الخيام هربا من السيول فسميت تلك السنة "سنة الهدام". *في عام 1371ه اجتاحت رياح ترابية شديدة محملة بالأتربة الثقيلة عدد من المناطق في نجد، واستمرت لثلاثة أيام متواصلة، لدرجة أن النهاراظلم فيها، وسميت "سنة الظلمة". تطوير العمل في الأرصاد اعتبر د.علي عشقي أستاذ علم البيئة بكلية علوم البحار في جامعة الملك عبدالعزيز إن كارثة جدة جراء سقوط الأمطار كانت طبيعية ومتوقعة أن تحصل في أي مكان، فالمتغيرات الجوية والبيئية هي متغيرات تحصل طوال العام، ولكن الغير طبيعي أومحور المشكلة هي أن مصلحة الأرصاد وحماية البيئة ليست دقيقة في توقعاتها الجوية، فهي تعتمد على توقعات مراكز الأرصاد العالمية الموجودة في اروبا، وخبراء الطقس هناك يعتمدون على قراءات ما ترصده الأجهزة من أرقام وقياسات في بلدانهم وليس هنا. الأرصاد الجوية لم تتنبأ بتأثير أمطار جدة على الأرواح والممتلكات وأضاف: من المفترض أن لايعتمد اعتمادا كليا على هذه القراءات، إلى جانب أن النشرات الجوية تعطيك معلومات عامة، مثلاً هناك رياح نشطة أو سحب أو غيوم وغيرها واعتقد أنها مخصصة لحركة الطيران فقط متجاهلة سلامة الناس. وأشار إلى أن مصلحة الأرصاد وحماية البيئة نشرت في تقاريرها أن ارتفاع منسوب سقوط الأمطار في هذا العام كان سببا في غرق الأحياء المتضررة بجدة، متسائلاً: كيف تم قياس المنسوب بينما لاتوجد مقاييس في مواقع الأحياء المتضررة؟، يجب أن تعيد مصلحة الأرصاد وحماية البيئة منهجية العمل في الأرصاد بشكل اكبر، ويجب أن تستعين بخبراء دوليين يعملون على تحديث وتطوير نظم العمل فيها، وان يكون هناك تبادل معرفي وعلمي مع دول العالم المتقدمة في هذا المجال، حتى نستطيع أن ننشىء قاعدة متطورة من العلماء والمتخصصين في هذا المجال، وان نمنع كوارث وتقلبات جوية أخرى قد تحدث مستقبلاً لاسمح الله. جازان مهددة بالسيول من جانبه قال د.نادر محمد صيام أستاذ الجغرافيا المناخية جامعة الملك سعود إن كلمة "المتغيرات المناخية" تتردد كثيراً في وسائل الأعلام والنشرات الجوية، لكن هذا ليس هو التعريف العلمي الأدق، إنما الأصح هو مصطلح"التقلبات المناخية" التي تحدث في أنحاء العالم المختلفة، من السيول والأعاصير إلى ارتفاع أوانخفاض درجات الحرارة، وهذه التقلبات ليست ظواهرمستجدة في عالمنا اليوم، أنما اهتمام مراكز الرصد العالمية وبثها عبر وسائل الإعلام أدت إلى سرعة تناقلها وقت وقوعها، كما أن الاهتمام يرتفع كلما ازداد أعداد الضحايا، حتى باتت تسجل ككوارث طبيعية، ولو رأينا التقلب المناخي الذي تشهده العديد من دول أفريقا قبل العقد الماضي،كالجفاف بسبب انقطاع المطرلسنوات، فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على حياة المجتمعات التي تعيش على الزراعة المحلية، فيموت الناس باعدد كبيرة، وفي جهة أخرى من العالم نجد حدوث أعاصير وفيضانات كالتي نراها في دول أسيا وغيرها. وأوضح أن المملكة الأمطار الغزيرة أغرقت بعض المزارع بسبب عدم الاستعداد لها شهدت بدورها تحولات مناخية تم توثيقها وأثرت وقت حدوثها على حياة الناس ومعيشتهم، منها كارثة السيول في مدينة جدة، مضيفاً:الدراسات التي قام بها قسم الجغرافيا عندنا تحذرمن تعرض جازان إلى كارثة مماثلة، لأنها تقع ضمن منطقة تحدها الجبال، إلى جانب ارتفاع منسوب المياه السنوي جراء سقوط الأمطار عليها بغزارة. التنبؤ الجوي والتحليل المناخي وأكد د.صيام على أن من أهم أسباب زيادة الكوارث المناخية هي عدم إدراك الناس واستيعابهم لطبيعة التحولات المناخية، وان عدم وصول المعلومة العلمية الصحيحة لهم من قبل وسائل الإعلام، التي تستقي المعلومة الناقصة أيضا من النشرات الجوية التي تبثها مصلحة الأرصاد وحماية البيئة، والتي تركز على "التنبؤ" بحالة الطقس فقط دون الاهتمام بالجانب الأهم وهو "التحليل المناخي"، مؤكداً: نحن ينقصنا الخبراء المناخيين الذين يستطيعون تحليل حالة الطقس بشكل دقيق وتقدير حجم الكوارث المناخية التي تتعرض لها المناطق بشكل علمي دقيق، للأسف أن مصلحة الأرصاد وحماية البيئة قد تهتم بالذي يتوقع حالة الجوأكثر من المحلل المناخي الذي يحلل الخارطة المناخية بكل دقة ويعرف المقاييس التقريبية للمناخ، مثلاُ العواصف الترابية وقتها وكمية الأتربة المحملة لها حتى يتسنى تقدير الضرر الناتج عنها وان لا يترك الموضوع مجرد معلومة في النشرة الجوية.