الحفاظ على الغطاء النباتي ، وحماية البيئة ، أو الأمن البيئي .. كلها عناوين جميلة ورائعة ومثالية ، ولا أحد يقف ضدها لأنها تمس حياة كل الناس على حد سواء ، خاصة وقد عزت بعض الدراسات أسباب سرعة تدفق المياه في بعض الأودية والسيول الجارفة إلى ما يُسمى بالاحتطاب الجائر ، حيث كانت بعض الشجيرات تشكل مصدات طبيعية للتخفيف من حركة السيول وقوة اندفاعها ، مثلما أن هنالك دراسات أخرى تعزو سرعة حركة الرمال لنفس السبب ، ووزارة الزراعة التي تصدت بحكم اختصاصها لقرار منع الاحتطاب الجائر كانت محقة ولا شك ، نسبة للمخاطر الناجمة عنه ، لكنها عالجت الأمر من زاوية واحدة على طريقة ( ذكرت شيئا وغابت عنك أشياء ) ، فالذي كتب القرار يبدو أنه كتبه من وراء مكتب فاخر في غرفة مكيفة ، ولم تدمِ كفوفه أرطاة عجوز ظل يصارع أغصانها ، ولم تنغمس لقمته بذرات الرمل ، أو تملأ أذنيه وجفنيه سوافي النفود ، وهو يُخفي بؤسه وتعاسته خلف هجينية يجرها من حلق مبحوح ليكسر بها وحشة الخلاء وضعف الحال . لذلك سقط أولئك الحطابون الذين ولدوا وفي أيديهم الفؤوس ، ولم يقربوا مدرسة ولا بنكا ولا ماكينة صرف ، سقطوا من بنود القرار ، وهم حطابون أبناء حطابين لا يجيدون سوى هذه المهنة ، قبل أن يتنبه إليها الجشعون الذين استقدموا أولي البأس والقوة من العمالة ونثروهم في أفياء الأرض لينتزعوا منها الأخضر واليابس لصالح كفلائهم ، حتى قطعوا رزق غيرهم من المواطنين الذين ما سمع شكواهم من أحد سوى الرمل!. هؤلاء الحطابون الذين يمارسون المهنة كوسيلة للعيش لا للتجارة ، ويعرفون ماذا يأخذون وماذا يتركون ، بحيث لا يجوروا على الجذوع لأنهم يعلمون أنهم يتعاملون مع قوتهم الذي سيعودون إليه في اليوم التالي .. كانوا طوال حياتهم يمارسون المهنة ولم يتحرك النفود بين أيديهم من مكانه ، ولا اتسع ثقب الأوزون ، هؤلاء الذين ما وجدوا عيشهم سوى في هذه المهنة القديمة قدم التاريخ ( خذ فأسا واحتطب ) رغم بؤسها ومشقاتها ، أين موقعهم في قرار المنع ( المتفق عليه ) ؟ .. هل تم استثناؤهم .. أو تم تأمين بدائل لحياتهم وحياة أسرهم ؟ أنا أعتقد أن الخروقات التي تحدث الآن للقرار لا تأتي من هؤلاء ، وإنما تتم من قبل شريحة تجار عمالة الاحتطاب ، الجاهزين بجشعهم لكل المغامرات ، أما هؤلاء المساكين فرغم حدة فؤوسهم ورغم قطع رزقهم فلم يسمع أحد لهم صوتا ، لأن حناجرهم ما تعودت أن ترتفع إلا بهجينيات الكدح والمتاعب . يا وزارة الزراعة .. لستم شؤونا اجتماعية .. نعم ، لكنكم حتما لستم قطاع أرزاق ، لهذا أسألكم بالله أن تعيدوا النظر في هؤلاء الناس ، وأنا على يقين أنكم لو منعتم العمالة فقط .. فلن يكون هنالك أي احتطاب جائر ، لأن من سيعود إلى مهنة الأشغال الشاقة هذه ، هم من لا يجدون قوت يومهم من مواطنيكم ، فلا تكونوا عليهم أنتم وقسوة الحياة .