أكد خبراء في الشأن المحاسبي أن قاعدة سرية حسابات العملاء، تنتهك أحيانا فيما يتعلق بالشركات المتداولة أسهمها في السوق المالية سواء عن قصد أو بدون قصد وهذا يعتبر نوعا من تسريب المعلومات وينتج نوعا من عدم التماثل بين المستثمرين. وقالوا ل"الرياض" إن هناك تجاوزات في مجال اتصال بعض المحاسبين القانونيين بالعملاء للحصول على عمليات المراجعة، وعادةً ما تستخدم الأتعاب المخفضة وسيلة للحصول على عمليات المراجعة، خصوصاً أن قاعدة الاتصال بالمراجع السابق إحدى قواعد السلوك المهني، وأنها غير مفعلة بشكل كامل. واعتبروا أن حصول المراجع على الترخيص لا يعني كفاية تأهيله المهني لمراجعة أي منشأة، بل عليه أن يتأكد من ملاءمة خبراته ومعرفته لطبيعة نشاط الشركة التي يرغب في مراجعتها وصعوبة معاملاتها، إضافةً إلى الظروف والأحداث التي تؤثر عليها. أخلاقيات وسلوكيات المراجع الخارجي: بدايةً طالب الدكتور سالم باعجاجة أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف المراجعين القانونيين بالتزام آداب وسلوكيات المهنة وهي مجموعة مبادئ تمثل القيم الأخلاقية التي تعتبر بمثابة مقاييس مثالية للسلوك المهني، وأنها تتمثل في الصفات التي يتعين على المراجع التحلي بها عند ممارسة أعماله وعند تعامله مع زملاء المهنة والعملاء، مشيراً إلى أن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لا تسمح بان يرتبط المحاسب القانوني الممارس بأي جهة سواء كانت حكومية أو خاصة. ووافقه الدكتور مدثر أبو الخير أستاذ المحاسبة المشارك في جامعة الملك سعود، قائلاً: إن دستور مهنة المراجعة يتمثل في قواعد سلوك وآداب المهنة، وتصدرها الهيئات المهنية المعنية بحماية وتطوير مهنة المراجعة في كل دولة، وأن الهدف من دستور المهنة هو الحفاظ على استقلالية وموضوعية المراجع الفرد ومهنة المراجعة عامة، وأن هذا من أهم ما يميز قواعد السلوك المهني لمهنة المراجعة عن غيرها من المهن. وأبان أبو الخير بأن من المفترض أن خدمة المراجعة تكون متجانسة وعلى درجة من الجودة بصرف النظر عن مقدم الخدمة، وبناء عليه فإن قواعد سلوك وآداب المهنة تدعم موقف المراجع من أي وسائل للضغط عليه من جانب عميله للحصول على نوعية معينة من التقارير التي يرغبها العميل، كما عمل على الاحترام المهني المتبادل بين المكاتب، إضافةً إلى أنها تضع قواعد محددة للسلوك المهني الذي يكفل احترام المجتمع ككل للمهنة ويثق في ما تقدمه من خدمات. أتعاب المحاسبين القانونيين وتأثيرها على الاستقلالية: وقال باعجاجة إن أتعاب المحاسبين القانونيين تتفاوت باختلاف الشركات أو المؤسسات المراد مراجعتها وذلك يعود لتقييم المراجع وتقديره عن الوقت المقدر لمراجعة الشركة وحاجته إلى خبراء لمساعدته في بعض الأعمال ومدى صعوبة بعض العمليات أو النشاطات للشركة ومدى خطورة بعض الأنشطة أو العمليات في الشركات. ولفت عبدالله السالم محاسب قانوني، إلى أن أتعاب المراجعة كانت دائما بسبب ضعف جودة المراجعة في كل دول العالم وخصوصا من جانب المكاتب التي تصنف بأنها صغيرة الحجم، مبيناً أن الأصل في الأتعاب يجب أن يتناسب مع الوقت والجهد المبذول في عملية المراجعة، ويفترض أن الجهد والوقت المبذول لا يختلفان كثيرا من مراجع لآخر على أساس مبدأ تجانس الخدمة المقدمة، مع ذلك فإن المكاتب الكبيرة تحصل على عملياتها بأتعاب مرتفعة لدرجة أن بعض الباحثين يعتبرون أن الزيادة التي تحصل عليها المكاتب الكبيرة من نفس العملية، مؤكداً أنه قد لا تحصل بعض المكاتب الصغيرة على نفس الأتعاب من نفس العمليات، أو لا تحصل على هذه العمليات إلا إذا خفضت أتعابها بصورة كبيرة. وتابع: ففي المتوسط نجد أن أتعاب المكاتب الكبيرة قد تصل إلى خمسة أضعاف ما تحصل عليه المكاتب الصغيرة عن نفس العمليات، وأنه لا مجال أمام المكاتب الصغيرة، إذا ما حصلت على العملية بأتعاب منخفضة عن الحقيقة، إلا بتخفيض الوقت والجهد المبذول والتغاضي عن تجاوزات معينة دون التقرير عنها للإبقاء على العميل في السنوات التي لا تحتاج العملية إلى نفس الجهد والوقت عن السنوات الأولى التي تكون تكلفة إنجاز عملية المراجعة فيها مرتفعة بسبب عدم اكتمال معرفة المراجع بكل جوانب العمل بالشركة، وكانت معظم حالات الفشل المسجلة للمراجعة تأتي من هذا السبب وخصوصا في السنوات الأولى لارتباط المراجع بالعميل. وذكر السالم أنه يجب نشر أتعاب المراجع كجزء من الإفصاح المرفق بالقوائم المالية، من خلال معلومات الأتعاب يستطيع السوق أن يحكم على جودة المراجعة ويقيّم علاقة المراجع بالشركة سواء بالنسبة للمكاتب الكبيرة أو المكاتب الصغيرة. ويؤكد السالم على ضرورة الإفصاح عن أتعاب المراجعة لكل عملية حتى ولو تحايل البعض عليها بإبرام اتفاقات سرية غير معلنة إلا أن هذا سرعان ما سيكتشف إذا ما حدثت أي مشكلة وتم التحقيق فيها. ضعف جودة الأداء والرقابة وأهمية المراجعة للأسواق المالية. ولفت باعجاجة إلى أن دور المحاسب في الشركات يعد مجالاً خصب لبعض المكاتب للقيام به لغير عملاء المراجعة حيث تعمد بعض الشركات إلى إسناد بعض العمليات المساندة إلى مكاتب خارجية مثل المحاسبة، المراجعة الداخلية، الشحن، التخزين، الكمبيوتر. وأضاف الدكتور أبو الخير أن جودة المراجعة تعتبر من الناحية النظرية دالة في متغيرين: الأول كفاءة مكتب المراجعة والخبرات الموجودة فيه وتكنولوجيا المراجعة التي تكونت بالمكتب والتخصص في صناعات معينة، حيثُ أنها تساهم الكفاءة في قدرة المراجع على اكتشاف الأخطاء والتلاعبات في القوائم المالية المنشورة، والمتغير الثاني: هو استقلال المراجع، فالمراجع مهما بلغت كفاءته لن يقر عن ما يكتشفه من تجاوزات في القوائم المالية إلا إذا كان مستقلا عن العميل، مستبعدا أن يكون المراجع موضوعيا في تقريره عن القوائم المالية فحسب، بل لابد أن يعتقد الغير ممن يعتمدون على المراجع بأنه مستقل، فربما يكون المراجع في ذاته مستقلا ولكن تربطه بالشركة علاقات مالية أو اجتماعية تجعل الغير لا يثق في تقريره. وأبان أن من أهم الأمور التي تفقد المراجع استقلاله من وجهة نظر الغير ما يقدمه المراجع من خدمات استشارية للعميل، وهذه الخدمات تفوق أتعابه فيها بكثير، أتعاب المراجعة ذاتها ولا يرغب المراجع في فقد مثل هذه الأتعاب الجانبية حتى لو اضطر إلى التغاضي عن التقرير عن التجاوزات التي يمارسها العميل، وعلى الرغم من أن المعايير المهنية في السعودية تحظر على المراجع تقديم مثل هذه الخدمات لعميل المراجعة، إلا أن هناك حالات تحايل على هذه المعايير كما أن هناك تحالفات بين المكاتب على تبادل الترشيح للخدمات الاستشارية عندما يكون المراجع مقدما لخدمة المراجعة. وزاد: أن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين تلعب دورا مهما في مراقبة كفاءة عمليات المراجعة، ولكن تظل هذه المراقبة مرتبطة بالفحص الدوري على عمل المراجعين الذي يتم بعد الانتهاء من عملية المراجعة وتركز على التوثيق الذي تم أثناء إتمام عملية المراجعة وأي ملاحظات تسجل على عمل المراجع يكون سببها عدم وجود المستندات وأوراق العمل الدالة على قيام المراجع بعمله وفقا لمعايير المراجعة. وفيما يتعلق بجانب المراقبة وعلاقة المراجع بعميله، قال السالم لم يكن هناك توافر للجهة الإشرافية المعنية بتفعيل هذه المراقبة كما لا توجد آليات نظامية له، موضحاً أنه في أعقاب فشل مكتب آرثر أندرسون للمحاسبة بسبب سقوط شركة إنرون، أدركت معظم الدول الأهمية البالغة لمراقبة مهنة المحاسبة وأسست دول عديدة مجالس للمراقبة مهمتها الأساسية مراقبة علاقة مكتب المراجعة بالعميل. وأشاد بالدور الذي يقوم به المهتمون بأمر المهنة في السعودية ويعملون بجدية لتأسيس هذا المجلس الذي أصبح ضرورة ملحة في الوقت الحالي. واعتبر أن الشركات المقيدة في السوق تحتاج إلى مثل هذه الآليات في الوقت الراهن لتأكيد ثقة المستثمرين في الخدمات التي يقدمها المراجعون وخصوصا في تأكيد مصداقية القوائم المالية المنشورة وضمان الإفصاح بشفافية عن كل المعلومات التي تعتبر مهمة بالنسبة للمستثمرين وتأكيد سرية المعلومات إضافةً إلى وصولها إلى كافة المستثمرين في وقت واحد، وكذلك أن مكاتب المراجعة ترتبط بصورة مباشرة بعمليات تقييم الشركات عند الطرح الأول لأسهم الشركة في السوق، ويجب أن يثق المستثمرون في حيادية المراجعين عند تحديد سعر الطرح الأول للسهم في السوق وأن المراجعين لا يشاركون في تقييم مغالَى فيه ينقل الثروة من المستثمرين إلى الملاك الأصليين، فالسوق السعودي بحاجة ماسة إلى مثل هذه التأكيدات حتى يعود إليه جانب من الثقة المفقودة فيما يرتبط بالمهنة على أقل تقدير. ظاهرة التصديق على القوائم المالية زوراً وبهتانا: واستبعد أبو الخير وجود مثل هذه الممارسات في الشركات الكبيرة أو تلك التي بها انفصال للملكية عن الإدارة بأي درجة من درجات الانفصال، معتبرا أن الرقابة على مثل هذه الممارسات تعتبر صعبة نسبيا في ظل آليات مراقبة جودة الأداء الحالية التي تنصب على مراجعة أوراق العمل فقط. وعاد باعجاجة ليؤكد على أن تعقيب بعض مكاتب المحاسبة والمراجعة على الشركات لابد أن يتم كل ثلاث سنوات للمكاتب التي تراجع الشركات، بينما تكون خمس سنوات إذا كانت الشركة تراجع من قبل مكتبين، موضحا أن المكاتب الكبيرة هي المستحوذة على هذه الشركات وتدور في رحاها، إضافة إلى ذلك قد يتم بعض الاتفاقات بين المكاتب للاستمرار في مراجعة بعض الشركات لمدة أطول. وأعتبر أبو الخير أن المملكة في مقدمة الدول التي نصت على ضرورة التغيير الإجباري للمراجعين، لما في ذلك من مزايا عديدة تنصب في دعم استقلال المراجع. في حين يتم تغيير المراجع كل ثلاث سنوات إذا كان يراجع بمفرده القوائم المالية للشركة، أو كل خمس سنوات إذا اشترك أكثر من مراجع واحد في مراجعة القوائم المالية للشركة، مستدلاً بالقانون الأمريكي المعروف باسم "سيربانس أوكسلاي" والذي طالب بدراسة إمكانية تغيير مكاتب المراجعة بصورة إجبارية بعد عدد من السنوات إلا أن المهنة الأمريكية تقاوم ذلك بشدة، وتقوم المكاتب حاليا بتغيير شريك المراجعة داخليا كل خمس سنوات، إضافةً إلى بعض الالتفاف على هذه القاعدة.