الدافع لكتابة هذا العمود هو تركيز كمرة قناة تلفزيون Fox News على وجه ممثل المملكة في اتفاقية المناخ أثناء خبر أوردته القناة عن الدول التي تحاول أن تعيق سير المفاوضات في مؤتمر كوبنهاجن حتى لايتم التوصل الى اتفاق بين دول العالم على خفض غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي (وفقا لتقارير اللجنة الحكومية للمناخ) الى ارتفاع درجة حرارة الأرض. الخبر كان عن انسحاب الدول النامية من قاعة اجتماعات المؤتمر لمدة خمس ساعات احتجاجا على عدم موافقة الدول الغنية (الصناعية) بتقديم المعونات المالية الكافية للدول الفقيرة تعويضا عن الأضرار التي تسببها لهم الغازات التي تصدرها مصانع وسيارات الدول الصناعية. لم يذكر الخبر اسم المملكة ولذا فقد تكون الصورة مجرد صدفة لولا أن بعض وسائل الإعلام سواء المقروءة أوالمسموعة كانت (في نفس الفترة) تتداول تصريحا منسوبا لكبير المفاوضين في وفد المملكة قبيل انعقاد مؤتمر كوبنهاجن لمحطة ال:BBC مقتطعة فقرات انتقائية من التصريح (على طريقة لاتقربوا الصلاة) من ضمنها فقرة مختزلة تم كتابتها بالبنط العريض تزعم أنه يقول: "لا يوجد علاقة من أي نوع ما there is no relationship whatsoever بين النشاط البشري وتغير المناخ" واعتبر بعض المعلّقين أن هذا التصريح هو قفزة غير مسؤولة على الحقائق العلمية. اتهام وفد المملكة بأنه يحاول أن يعرقل سير المفاوضات في اتفاقية المناخ ليس جديدا فقد درجت وسائل الإعلام أن تجري مقابلات مع وفود الدول المشاركة في اجتماعات الاتفاقية لاستطلاع آراء حكوماتهم وآرائهم عما يدور في داخل قاعات الاجتماعات المغلقة وماهي مواقف ووجهات نظر الدول المشاركة حيال خفض انبعاث الغازات وكان بعض المندوبين يشتكون من أن وفد المملكة دائما - منذ بداية الاتفاقية - يتخذ موقفا معارضا من الزام الدول الصناعية بخفض انبعاث غازاتها بحجة أنه سيؤدي الى خفض الطلب على البترول ويضر بالتالي اقتصاد المملكة لأنه لايوجد لديها مصادر دخل أخرى. الحقيقة أن وفد المملكة قد يكون معذورا (لكن تسيطر عليه الحماسة) فهو كبقية وفود الدول الأخرى مهمته الدفاع عن مصالح المملكة (وفقا لمفهومه لهذه المصالح) كما هي مهمة الوفود الأخرى الدفاع عن مصالح دولهم وهذا الحق تكفله اتفاقية المناخ فهي في الوقت الذي تعترف بأن انبعاث الغازات يضر الجزر الصغيرة تسلّم أيضا بأن تخفيض الغازات قد يسبب صعوبات لاقتصاديات الدول النامية التي تعتمد على انتاج وتصدير الوقود الأحفوري (للذين يهمهم الاطلاع على النص يمكنهم الرجوع للاتفاقية على موقع UNFCCC من ضمنها باللغة العربية). رغم أن هذه الصياغة للاتفاقية قد تكون غالبا وردت عفويا (أي بحسن نية) الا انها في الواقع هي التي زرعت (في اعتقادي) بذرة الخلاف - منذ البداية- بين الجزر الصغيرة التي سيضرها عدم خفض انبعاث الغازات وبين الدول البترولية التي سيضرها (وفقا للنص) خفض انبعاث الغازات. هذا التناقض في المصالح جعل البعض يعتقد أن حل مشكلة المناخ هو من نوع مايسمى: zero sum game أي أن مايكسبه طرف لابد أن يخسره الطرف الآخر. في اعتقادي أن سبب الحماس لدى الوفد السعودي هو تأثره بنتائج الدراسات التي تعدها بعض المؤسسات التجارية التي تحسب مقدار الأرباح والخسائر في ايرادات البترول كما لو ان البترول مورد غير ناضب وهذه الدراسات قد تتناسب مع مصالح شركات البترول الأجنبية التي تعمل في بعض دول البترول بموجب امتيازات لها مدة محددة تنتهي بانتهاء مدة الامتياز ولكن لاتتفق بتاتا مع مصالح الشركات الوطنية التي تعمل في دولها وتملك البترول. سأحاول في مقال قادم - ان شاء الله - أن أناقش موضوع الدراسة المنسوبة الى اوبك التي تقول إن المملكة ستخسر تسعة عشر بليون دولار سنويا على أقل تقدير بسبب تخفيض الدول الصناعية انبعاث غازات احتباس الحرارة. * رئيس مركزاقتصاديات البترول " مركز غير هادف للربح"