بدأت الصحافة السعودية هذه الأيام تذكرنا بميلاد بحيرات المسك كما يحلو لها التسمية في مناطق مختلفة من المملكة . وكأنها بهذا التذكير تريد منا الاحتفال بهذا الميلاد المتأخر إعلاميا بعد عبق روائح بحيرة المسك في جدة . ففي عدد يوم الأحد الماضي أشارت صحيفة الحياة الى ميلاد بحيرة صرف صحي ومستنقع مياه مرضي في مدينة سكاكا ، العاصمة الإدارية لمنطقة الجوف وسمتها " بحيرة المسك" . وسارت على الدرب صحيفة اليوم ببلاغ مهم لمن يهمه الأمر عن بحيرة مسك في سيهات . أمر محير ان تأتينا الأخبار بالقطاعي ، فطالما أن روائح المسك قد فاحت من هذه المستنقعات فلتعلن الصحافة احتفالها الجماعي بكل هذه المستنقعات لعلها تدخل في مرحلة القضاء عليها . فصحة البيئة فيما يبدو انشغلت بمتابعة مطاعم الشاورما التي لا تبتعد قليلا عن نشر بعض التلوث الغذائي عندما تغفل عنها عين الرقيب . السؤال الذي يحير فعليا هل الصحافة في مرحلة البحث عن مثل تلك القضايا التي يعاني منها المواطن بيئيا ولا تصبح حقيقة إلا حين تلامسها الصحافة ، أم أن الصحافة أيضا لم تبحث عن تلك البحيرات الخضراء من العفن إلا بعد ازدياد شعبية بحيرة جدة سيئة الذكر ؟ اعتقد ان هناك خللا ما في مصادر المعلومة الشعبية ؛ فطالما أن الصحافة في خدمة الحقيقة التي يدعمها ولاة الأمر ونسمعها في أحاديث خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله فلماذا لا تكون هناك مراجعة صحفية لعلاقة القراء بالصحيفة من حيث تزويدها بالأخبار بالاسم ومن منطقته وعلى الصحفي المتابعة وخلق التوازن في القصة من الأطراف المعنية ؟ عندها ستعلن لنا الصحافة بحيرات مسك ليست بيئية فقط وإنما سنجدها في مرافق عدة . هنا فقط أود أن تكون هناك احترافية من الصحفي وليس من فئة صحافة " عنتر شايل سيفه " . نحن بحاجة لمسؤولية اجتماعية إعلامية تتشارك فيها عيون القراء مع عيون الصحفيين بتوازن يهدف إلى تحقيق برامج التنمية وكشف القصور . فنحن باللبناني " بدنا نأكل عنب ما نقتل نواطير " .أي نتمنى تحقيق التنمية بعيدا عن حسابات أبطئ من فتك الأمراض المتولدة من هذه البحيرات الآسنة . المزعج فعلا في خبر جريدة اليوم هو " الأمانة تنفي علمها بالبحيرة وتصف صب الوايتات للصرف الصحي في هذا الموقع بالتصرفات الفردية ولا علم للمتعهد بها . مشكلة المتعهد هي متابعة شيك المناقصة أما نشر المخلفات فلا علاقة له . التصرف الفردي عندما يبدأ بمثل هذا التهديد البيئي فهي جريمة لا تغتفر , وهي تتكرر بيئيا في مناطق مختلفة . فعندما تغيب خدمات الصرف الصحي تظهر معها طيور تخريب البيئة "بوايتات " الشفط والصرف وتصبح صحة المجتمع والبيئة ممنوعة من الصرف وبعيدة عن متطلبات الصحة . السؤال الآن لصحافتنا العزيزة عرفنا عن بحيرات المسك فهل سنتابع المسلسل وكم عدد حلقاته ؟ مع موسم الشتاء والأمطار سيختلط الحابل بالنابل فلا نعرف الصرف من أوساخ المياه التي تغسل بها الأمطار شوارعنا او أبنيتنا والتي تنقلها عجلات السيارات وكأنها خلاط" لكوكتيل النتانة " . كانت الصورة المصاحبة لخبر صحيفة اليوم أيضا دليل واضح على ممارسات سيارات الصرف الصحي في تلويث البيئة في بحيرة مسك سيهات . وطالما أن الصورة ابلغ من ألف كلمة كما نردد ، فهي في حماية البيئة ابلغ من مليون كلمة . ولعل هذه الصور البيئية تكون نواة لمسابقة صحفية يقام بعدها معرض الصور البيئية بعيون المواطن و ةعيون الصحافة او حتى عدسات الجوالات او الكاميرات . المهم بدء المنافسة لهذه المسابقة الوطنية التي سوف تخلق سوقا للتنافس على المشاركة بهذه الخطوة في مسار الصحافة الاجتماعية . عندما وصلت لهذا الحد لم اعد اعرف هل أنا أبكي صحة البيئة أم أبكي على حال عيوننا التي تعودت على مثل هذه المناظر فلم تعد تعني لنا شيئا ؟ صحة البيئة جزء لا يتجزأ من عشقنا وحبنا لهذا الوطن فلا نرضى الندوب على وجهه الجميل . لأن ظلم الإحسان يكمن في قبح الامتنان .