أكثر من عشر سنوات انتظرها المخرج الأمريكي جيمس كاميرون ليُنجز فيلمه الجديد (أفاتار-Avatar)؛ حيث كان مقرراً له أن يكون الفيلم التالي بعد فيلمه الأسطوري (تايتانيك) الذي حطم الأرقام القياسية عام 1997، لكن المشروع تأجل إلى الوقت الذي تسمح فيه إمكانيات التكنولوجيا بتصوير العالم المتخيل الذي تجري فيه أحداث الفيلم وبالشكل الذي يريده جيمس كاميرون، وقد تحقق ذلك في منتصف العام 2006 حين أعلن صاحب المشروع عن البدء بتنفيذ فيلمه الحُلُم ليكون متاحاً للجمهور عام 2009؛ مُدشناً بذلك عصراً جديداً للسينما الرقمية. وفي أول ثلاثة أيام له في صالات السينما، تصدر الفيلم شباك التذاكر الأمريكي لهذا الأسبوع مُحققاً أرباحاً تعادل ربع تكلفته الإجمالية البالغة 280 مليون دولار، كما حصد أربع ترشيحات للغولدن غلوب من بينها أفضل إخراج وأفضل فيلم، إضافة للثناء النقدي العالي الذي أكد على النقلة الجديدة التي يقدمها الفيلم في عالم المؤثرات البصرية. يروي الفيلم قصة مستقبلية تجري أحداثها في العام 2154 حين خطط البشر لغزو الكواكب المحيطة بالأرض بحثاً عن مجال جديد يمارسون فيه جشعهم وهمجيتهم، وقد اكتشفوا كوكباً يدعى "بانادورا" يحتوي على مقوماتِ حياة شبيهة بتلك الموجودة على الأرض، إلا أن التنفس فيه غير ممكن، لذا يخترع البشر طريقة للعيش في الكوكب الجديد، تتمثل في خلق كائن جديد يدعى "أفاتار" هو مزيج من الإنسان ومن السكان الأصليين المدعوّين بال"نافي"، ويتم التحكم بهذا الكائن المستنسخ ذهنياً عبر أفراد فريق البعثة البشرية المتواجدة على أرض الكوكب، والتي يرأسها الجندي المشلول جاك سولي، وهو أحد الجنود المكلفين بقراءة مقومات كوكب "بانادورا" وإرسال تقارير عسكرية لقادته في الأرض، تمهيداً لاحتلال الكوكب الجديد، ولأنه عايش شعب "نافي" عن قرب، واكتشف طيبتهم وبراءتهم، وعشق أجمل فتياتهم، فسيتضامن مع هذه المخلوقات البريئة في حربها ضد أطماع الآدميين. حكاية الفيلم بدأت مع جيمس كاميرون منذ العام 1994 حين كتب مسودة سيناريو من 114 صفحة وضع فيها تصوراً أولياً عن أحداث حقيقية تجري في كوكب بعيد، مستلهماً ذلك من القصص المصورة التي كان مفتوناً بها في طفولته، وقد قام حينها بالبحث عن إمكانية تجسيد هذا العالم سينمائياً بالصورة الواقعية التي يطمح لها، ووجد أنها ستكلف حوالي نصف مليار دولار، لذلك أجبر على تأجيل حلمه الكبير وشرع في تصوير فيلم "تايتانيك"، معلناً أن فيلمه المنتظر سيرى النور في نهاية العام 1999 إلا أنه تأجل عشر سنوات حتى توفرت التقنية التي سمحت له بتجسيد أحلامه وبكلفة إنتاجية مقبولة. ففي منتصف العام 2006 أعلن كاميرون عن البدء بتنفيذ مشروعه بعد حصوله على الإمكانية التقنية التي يتطلبها المشروع، وبدأ بكتابة السيناريو، بمساعدة الخبير اللغوي بول فورمر الذي قام بخلق لغة من العدم لشعب ال"نافي" تتكون من ألف مفردة جديدة تماماً ولا تتشابه مع أي لغة بشرية معروفة. ويتمثل الإسهام الأكبر الذي قدمه كاميرون في هذا الفيلم بالكاميرا الجديدة المصممة خصيصاً للفيلم والتي تسمح بدمج الممثلين الحقيقيين مع الشخصيات الرسومية في كادر واحد وفي وقت واحد أثناء تصوير المشهد، فيما يقوم المخرج بمراقبة كل ذلك عبر جهاز المونيتور كما لو كان مشهداً حقيقياً يتفاعل فيه الممثلون الحقيقيون مع الشخصيات المختلقة في وقت واحد، وهذا على خلاف كل الأفلام الرقمية التي صورت سابقاً، حيث يتم أولاً تصوير أداء الممثلين، ثم يتم دمج ذلك لاحقاً بالبيئة الرقمية التي تجري فيها الأحداث. إن ما قام به كاميرون هو دمج العالم الحقيقي بالعالم المتخيل في وقت واحد أثناء التصوير. أيضاً تم تطوير تقنيات التصوير خصيصاً من أجل الفيلم لكي تسمح بالتقاط التعابير الدقيقة لمخلوقات الكوكب الجديد وبشكل غير مسبوق في تاريخ السينما. ولكي يحصل كاميرون على أداء جيد من الممثلين الحقيقيين أثناء تأدية أدوارهم إلى جانب الشخصيات المختلقة، قام بأخذهم إلى جزر هاوي وقضى معهم أياماً في غاباتها يعيشون كما تعيش المخلوقات في غابات كوكب بانادورا. وقد جعلت هذه الإمكانيات الجديدة التي يبشر بها فيلم "أفاتار" نقاد السينما في أمريكا يصفون الفيلم بأنه "السينما القادمة" و"حامل السينما نحو المستقبل" و"بداية العصر الجديد"، وهي أوصاف تتوّج رحلة جيمس كاميرون مع السينما والتي بدأها في العام 1978 صانعاً منذ ذلك الحين أفلاماً مميزة شكّلت نقاط تحول في سينما المؤثرات البصرية والإنتاج الضخم لعل من أهمها سلسلته الشهيرة (تيرمونيتور-The Terminator) والجزء الأول من سلسلة (غرباء- Aliens) وفيلم (تايتانيك). كاميرون حاملاً أوسكار «تايتانيك» مطلع العام 1998 سيغوري ويفر مع كاميرون أثناء تصوير «أفاتار»