نتابع الجزء الثاني من سلسلة مذكرات الشاعر الكبير محمد الجنوبي في رحلة عطاء من خلال الأغنية الشعبية فلنتابع مذكراته من جزئها الاخير عبر (مساحة زمنية): قطر والصدفة جمعت عيسى القحطاني: كان ابتعاد محمد الجنوبي عن الاحساء وإقامته في قطر لمدة تسع سنوات، كانت كفيلة بان تكون سبباً في دفعّ الفنان عيسى وللبحث عن شاعر آخر يتعاون معه، كما أن هناك ظرفاً آخر عَرفَتَ عيسى بالشاعر علي القحطاني، وعن هذا تحدث الجنوبي قائلاً : معرفة عيسى بالشاعر علي القحطاني كانت محض صدفة ،فعندما كنت أنا في الدوحة بدأت شمس « الاسطوانات في الأفول «وبدأ ظهور أشرطة الكاسيت أي بداية التسعينيات الهجرية، وحينها كان لدى عبداللطيف فون صاحب أشهر التسجيلات في الاحساء مجموعة كبيرة من» الاسطوانات « مما اضطره للبحث عن سوق يبيعها فيه، فطلب من ابنه خالد الحبيصي أن يذهب إلى الكويت ليبيع تلك الاسطوانات، فقرر خالد الذهاب الى الكويت مصطحباً معه الفنان عيسى الذي كانت تربطهما علاقة حميمية، فذهبا إلى سوق الحراج في الكويت، وبسطا الاسطوانات هناك وبدآ في بيعها، وصدفة اتى علي القحطاني «الذي كان حينها يعمل عسكرياً»يقلب في تلك الاسطوانات دونما أي معرفة مع أي ٍمنهما، فقال له خالد: نعرّفك على الفنان عيسى الأحسائي ، فسلم القحطاني على عيسى بحرارة فوجه إليهما الدعوة إلى منزله، فذهبا معه وخلال الجلسة أعطى القحطاني عيسى عدداً من قصائده ليغنيها وهذا ما حصل، وهكذا كانت بداية المعرفة والتعاون بينهما، كما كان لغيابي عن الاحساء وحاجة عيسى لشاعر عامل كبير في توثيق العلاقة بينهما أكثر. على فراش المرض وينفي الجنوبي أن تكون علاقة عيسى بالقحطاني سبباً في نشوء خلاف بينهما ويؤكد أن عيسى بالنسبة له عاش عزيزاً ومات عزيزاً وهو أقرب فنان إلى نفسه . وفاة عيسى الاحسائي: حل خبر وفاة الفنان عيسى على الشاعر الجنوبي كالصاعقة ،وترك ألماً موجعاً في نفسه استمر حتى وقتنا الحالي رغم مرور( 28 عاماً) تقريباً على رحيله، ويتذكر الجنوبي ذلك الحدث المؤلم، فيقول : كنت أنا وعيسى لا نفارق بعض يومياً ، حتى عندما تزوج بزوجته الثانية وسكن في الدمام، كنا على اتصال وتواصل دائم، إلا أنه» يرحمه الله» توفي يوم الاثنين حيث كنت موجوداً في الرياض ولم أبلغ إلا يوم الأربعاء خوفاً على مشاعري، وعندما بلغني خبره شعرت بالألم لأني لم أشارك في تشييعه وفي العزاء، وقد كتبت مرثية في حينها . شاعرية متدفقة: كان عيسى متعاقداً مع تسجيلات ( خليفة فون ) للتسجيل عندها ، فأراد البصير صاحب تسجيلات» نجدي فون « في الرياض أن يسجل عيسى عنده لشهرته الكبيرة في ذلك الوقت ، فطلب مني ( وبحكم معرفته بعلاقتي الخاصة بعيسى ) في أحد لقاءاتنا في الرياض أن أعمل 4 قصائد شريطة أن يغنيها الجنوبي- قطر - 1387 ه عيسى وأن أعمل قصيدتين ليغنيهما طاهر وأعطاني مبلغاً من المال ،فرجعت إلى الاحساء ونسيت الموعد . حتى طرق ذات يوم باب منزلي في حي الصالحية بالهفوف(1387ه) فأبلغتني ابنتي الصغيرة بوجود كفيف على الباب ، فعرفت أنه البصير، فخرجت إليه وضيفته هو مع اثنين معه أحدهم تاجر من مدينة جدة يدعى أحمد بن علي الصفراني، فسألني البصير هل جهزت القصائد، قلت له إنها جاهزة ( وأنا لم أكتب حرفاً واحداً ) ، فقال لي الليلة نريد التسجيل وطلب مني إحضار عيسى بينما سيحضر هو طاهر. فأسرعت إلى منزل عيسى وأيقظته من على فراشه وأخذته معي إلى منزلي وبدأت في كتابة القصائد وصديق لي يقرؤها على عيسى الذي كان يلحنها ويسجلها في جهاز تسجيل مؤقت لكي لا ينسى اللحن، وهكذا لم يأت الليل إلا وجميع القصائد ال 6 التي طلبها جاهزة وقمنا بتسجيلها جميعاً . قصة تحدث بها الشاعر محمد الجنوبي في معرض حديثه لكنها تعكس بوضوح الشاعرية المتدفقة التي يمتلكها ، هذه الشاعرية مكنته من كتابة سبع ألفيات تغنى بها مسعود البيشي وكانت ( مثومنة ) ،فيما غنى طاهر ثلاث ألفيات، وغنى عايد عبدالله وابن سعيد وعيسى كل منها واحدة. في الكويت حظيت بالتقدير: « لا أحد يعرف عني إذا كنت ميتاً أم حياً، كما لا أحد يعيرك أي اهتمام حتى بمجرد السؤال عنك!!. الشاعر الجنوبي وخلال حديثه معنا شعرنا بالمرارة تخنقه وهو يشاهد تجاهل الوسط الإعلامي والجهات ذات العلاقة بالفن طيلة مشواره الشعري والفني، ومما زاد من ألمه الحفاوة التي حظي بها خلال زيارة لحضور حفل زفاف أحد أصدقائه في الكويت، وكيف أن وزارة الإعلام ممثلة في كبار المسؤولين في تلفزيون وإذاعة دولة الكويت الشقيقة وبمجرد علمهم بوجوده هناك أسرعوا وبحفاوة أدهشته لاستضافته وإجراء حوارات تلفزيونية وإذاعية مطولة معه، أما هنا بوجه عام والاحساء على وجه الخصوص فلم أحظ بأي تقدير أو سؤال ناهيك عن أن يكون هناك تكريم . عيسى الاحسائي - رحمه الله المرض الذي أقعده: حديثنا الممتع الرائع مع الشاعر محمد بن سعد الجنوبي لا نريد أن نختمه دون أن نقف على وضعه الصحي وذلك من ( منطلق إنساني ووطني صرف ) . الجنوبي الذي لم يشكُ ولم يئن طيلة ساعتين جلسنا بجوار فراشه، ولم يتفوه عن وضعه الصحي إلا بعد أن سألناه، فأجاب: أعاني من مرض في الظهر، وترجع قصة مرضي إلى أنني كنت(أصلح) سيارة ابني وخلال حملي لوزن ثقيل شعرت على الفور بآلام في الظهر، وهنا بدأت رحلة المعاناة في تلقي العلاج في مستشفى الملك فهد بالهفوف فأصبحت في حال ٍ أفضل، ثم انتكست حالتي من جديد، وخضعت خلال الثلاث سنوات الماضية إلى إجراء عمليتين، كما دخلت على إثرها مستشفى الملك فهد بالهفوف مرات عدة، بعدها تم تحويلي إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض وأجريت لي عملية في الظهر ونجحت إلا أنني الآن لا أستطيع تحريك قدمي الاثنتين رغم كل العلاجات لكنها لم تفلح معي, وظلت قدماي هكذا ساكنتين دونما حركة ! ويضيف الجنوبي : أخبرني طبيب هندي أن في الهند يوجد طبيب متخصص في علاج الحالات المماثلة لحالتي . وناشد الشاعر الكبير محمد سعد الجنوبي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز»حفظه الله»بعلاجه, وقال : إن حصل هذا الأمر فهو أمر من رجل كريم محب لشعبه وإلى مستحق، وخير جلالته وعطفه بلغا إلى أبعد بقعة في العالم.