بين مؤتمر الأدباء الثاني والثالث، مسافة زمنية، وتغيرات في الشأن الثقافي، هي من الأهمية بحيث لا يمكن إغفالها، وفي ذات الوقت باتت هذه المسائل الثقافية في حاجة ملحة لإعادة صياغتها وتطويرها من جديد. لقد صار للثقافة وكالة ترعى شؤونها ، يناط بها أن تراجع بنودا كثيرة قد لا تتناسب ومتطلبات العصر الثقافي الراهن.كانت أولى الإرهاصات التي دارت في اجتماعات المشاركين في المؤتمر الثالث هي لماذا دعينا ! هل دعينا لنستمع إلى محاور المؤتمر التي هي بحوث صرفة، وكأنها ملتقى ثقافي لا مؤتمر. وكان الإرهاص الثاني هو من المخول بمناقشة شأن الثقافة في بلادنا؟ فمن حضر للمؤتمر لا يستطيع أن يمثِّل إلاّ نفسه فقط. وليس هناك من آلية معينة، تم توزيعها قبل المؤتمر، كاستبيان مثلا لتتضح الرؤية لوكالة الوزارة في مطالب المثقفين. وهي مطالب قديمة جديدة، تتمثل في رعاية المثقف الرعاية الحقة. وكان فريق كبير من المشاركين يتمنى لو تمت مناقشة تطوير الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون . ويظل صندوق الأدباء ورابطة ما تجمع الأدباء ، وتمنيات المثقفين في وكالة تحميهم من عذابات النشر وويلاته ، وما إلى ذلك من تطلعات خرجت من حناجرهم وهم أقرب من أيِّ وقت مضى لوكيل الوزارة الذي يحاول جاهدا أن يخرج بوكالته إلى برِّ الأمان . في وقت بشّر فيه الوزير بولادة قناة ثقافية، لخدمة الثقافة. لكنّ هذه القناة والكلام للمشاركين الذين تحدثوا عنها وكأنها مشروع استباقي ، لم يخطط له جيدا ، فخافوا عليها أن تصبح قناة نمطية لا تخدم الثقافة كما أُريد لها. فإذا كانت ستستقي مادتها من أرشيف التليفزيون فهي ستعيد المكرور الذي نشر مسبقا في قنواتنا الأربع . فكان لابد من رفد هذه القناة بمادة ثقافية تليق بالثقافة في بلادنا . وهناك من تساءل عن ما سينشر في هذه القناة . ويظهر أنّ الأيام القادمة كفيلة بمعرفة الخطوط العريضة لقناة المثقفين، وهل ستبث ما يودون أم سيكون مآلها مآل قنوات ثقافية في دول عربية مجاورة. بنود الثقافة في بلادنا لم تتغير كثيرا، فأدبيات التكريم لا زالت تكرّس لشيوخنا ولهم كل تقدير واحترام، لكنّ تكريما من نوع آخر هو ما كان يريده بعض المثقفين بالضبط، كأن يكرّم أفضل ديوان شعري، وأفضل رواية، وأفضل ناد أدبي وهكذا. وهي أمور لم ترد في أدبيات التكريم في وكالتنا حتى الآن.بحوث تُقرأ ، ثم يطويها النسيان ، وقد قُرأت من قبل ، وقد كُتبت على عجل ، فما وجدتْ أذناً صاغية تستمع لها ، لأنها لم تمس الجرح – كما علّق أحد المشاركين في إيوان الساعة العاشرة الذي يعقد كل مساء في إيوان الفندق . وتساؤلات بحجم الحدث تتمنى لو تفضلت الوزارة ممثلة في وكالتها في الإفصاح عنها والبت فيها. قال لي أحد المشاركين معلقاً على ندوة قد حضرها : إنها لا تختلف عن أيّ منشط ثقافي يقام في أيّ نادٍ أدبي، وعندما طلبت منه أن يخبرني عن ماذا يريد ، قال لي : نحن لا نريد لبن العصفور ، فقط نريد أن نشعر بمن يضم شتاتنا ، ويهتم بكتبنا ، وعن شكل ما، أي شكل ، يصدر لنا بطاقة نشعر من خلالها بانتمائنا إلى الثقافة في هذه البلاد ، ثم يكون لهذه البطاقة ما يليق بنا كمثقفين ، وهذا ما يحدث في دول العالم كافة ، وليس مثقفو بعض الدول العربية بأفضل منّا .وآخر طالب بأن يضم المثقفين هيئةٌ ما على غرار هيئة الصحفيين السعوديين، ويكون لهذه الهيئة مميزات ما ؛ تساعد على ربط المثقف بالشأن الثقافي، كون الأندية الأدبية كما يقول لا يستفيد منها سوى من انتسب لها ، فلا تأمين طبي ولا رعاية نتاج أدبي والقائمة ستطول لو كتبها . مشاركون يعكفون على صياغة مطالب لهم ستقدّم في نهاية المؤتمر للوكالة ، فهل سيتم الالتفات لهذه المطالب ، أم سيبقى الوضع كما هو حتى إشعار آخر؟