تجعدت ملامح أحياء جدة الجنوبية.. هرمت وأصبحت مجرد بقايا لكارثة لازال نبض الوجع فيها يئن بصمت من داخل بيوتها الشعبية الصغيرة المتألمة المتراصة بجانب بعضها وغرقت أحلامها دون طوق نجاة فوق موجات السيل الجارف الذي دخل البيوت دون استئذان. سيناريو الكارثة فصوله طويلة مملة وأبطاله لا يزالون يسردون حتى اللحظة بعضا من قصص النجاة. "الرياض" التقت الخالة أم أحمد (62 عاماً) بالكيلو 14 والتي صارعت الموت وحيدة حيث قالت:" أيقظني صوت الرعد والمطر وبدأت المياه تتسلل من تحت باب غرفتي فبدأت بجمع أدويتي وأغراضي خوفا عليها من البلل.. لم يكن يخطر ببالي بأن قطرات المطر والتي كنت أفرح بجمعها في كأس وأنا صغيرة لأشربها من الممكن أن تغرقني وأنا امرأة مسنة في لحظات ولولا لطف الله ومساعدة جيراني الذين حملوني واتجهوا بي إلى سطح إحدى البيوت القريبة من بيتي لكنت ميتة الآن "!. وتضيف"رأيت كل شيء يتحرك فوق موجات السيل.. السيارات وأنابيب الغاز وقطع الأثاث.. لن تصدقوني لو قلت لكم أنني اعتقدت أنني أحلم فالسيل كان يدخل البيوت بكل قوته وكأن طريقه يمر من داخل كل بيت وتمنت الخالة أم أحمد أن ترى جارتها سعيدة والتي لا تعلم شيئاً عن مصيرها". الخالة أم أحمد أما الخالة فاطمة العتيبي فالتقينا بها وهي تحاول البحث عن بعض الأوراق الرسمية تحت قطع الأثاث الذي تحول إلى كومة من النفايات فالروائح الكريهة تنبعث من كل مكان في البيت.. تسرد لنا قصتها وهي تشير بأصابعها إلى مستوى منسوب الماء الذي بلغ أكثر من المترين ولازالت أثاره عالقة على الجدران حتى اللحظة وتقول: " كان باب البيت يندفع إلى الداخل بكل قوته والمياه تدخل من كل مكان فأخذت أطفالي محاولة فتح باب جانبي يؤدي إلي حوش الجيران هرباً من كميات المياه لا تفاجأ بسلم خشبي أنزله لي الجيران وصعد أطفالي وأنا معهم وما أن وصلت للأعلى حتى سجدت لله شكراً على نعمة النجاة". وبكلمات سريعة سردت الخالة فتحية وأختها حفصة تفاصيل نجاتهما من الموت عندما تعلقتا بالسرير الحديدي اللتين تتقاسمان فوقه ساعات النوم عندما داهمهما السيل وهما تتناولان طعام الإفطار .. تقول الخالة " اعتقدت أن مياه البحر الأحمر هي التي تجرف كل شيء فالمياه كانت كمياتها كبيرة بشكل يفوق الوصف ولولا مراتب السرير التي تمسكت فيها وأختي لكان السيل جرفنا إلى خارج منزلنا".