استأنف مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث جلساته الصباحية ليوم الثلاثاء بالجلسة السادسة التي استهلها الأستاذ مساعد اللحياني بورقة بعنوان "أدب العسكر في المملكة العربية السعودية والانتماء الوطني .. نماذج وحضارة" بدأها بتوضيح عن عنوان ورقته الملتبس اشار فيها الى ان العنوان لم يقصد منه أي تصنيف جديد للأدب الذي أعتبره مشاعر فياضة منبعها القلب الذي ينزرع في صدور أولئك البشر كلهم معلّلاً اطلاقه هذا الاسم بهدف إزالة لبس وتصوّر خاطئ لدى البعض مفاده ان العسكر اصحاب قلوب قاسية وقوية لا تعرف إلا الأوامر والأنظمة والتعليمات والتي هي من صميم عملهم ولكن ليس الى درجة يفقدون معها المشاعر الرقيقة الصادقة مشيراً الى ان سجل العسكريين يحفل بالكثير ممن يعشق الأدب والكلمة الشاعرة والرقيقة ويمارس الكتابة الأدبية حسب ظروفه الخاصة وفيهم من نشر إنتاجه ومنهم من غيّبه عن الأنظار إما تواضعاً او عزوفاً عن الشهرة والأضواء. بعدها استعرض الأستاذ اللحياني نماذج للتدليل على رؤيته من خلال نماذج أدبية لعدد من العسكريين الذين كانت كلماتهم رقيقة وجياشة تفوح من جنباتها المشاعر الفياضة والعبارات الرومانسية شعراً ونثراً او رواية او قصة مدلّلاً على موضوعه بالفريق الأديب يحيى بن عبدالله المعلمي –رحمه الله- الذي استطاع رغم مشاغله العملية ان يخدم الأدب والثقافة خدمة كبرى ونافح عن اللغة العربية منافحة شديدة ودخل من اجلها معارك أدبية مع علماء وأدباء معروفين مثل الشيخ عبدالله بن خميس والأديب ابوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري وغيرهم وكانت له الغلبة في الكثير منها حتى انه لقّب ب ( حارس الفصحى ) ثم أورد بعدها الباحث اللحياني الشيخ الدكتور عاتق البلادي كأنموذج ثان لدراسته مستعرضاً تاريخه ونشأته ثم إسهاماته الأدبية من خلال استعراض بعض إصداراته الشعرية والجوائز والتكريمات التي حصل عليها ثم عرج على بعض النماذج الأخرى لعدد من العسكريين منهم الأديب والقاص اللواء المهندس عبدالله بن احمد السالمي والأديب الشاعر اللواء علي زين العابدين مستعرضاً نماذج من انتاجاتهم الفكرية والثقافية. الورقة الثانية كانت للأستاذ مجدي بن محمد الخواجي وهي عبارة عن قراءة في شعرية الانتماء الوطني وملخص بحثه تناول الشعرية لشعراء منطقة جازان وقصة تجليات الولاء والحب والانتماء منذ ان توالت زيارات الأمراء والحكام والملوك من آل سعود الى المنطقة حيث فاض الشعر بألوان الحب واستدعى صور الانتماء وجسد ملامح الولاء في قوالب شعرية تعبر عن تلك المعاني وتفصح عن دلالاتها في أبهى حلة وأزكى عبارة وأروع صورة وقد اشار الباحث الى ما مثلته زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله – من تتويج لتلك الزيارات وعدّها نموذجاً فريداً للتواصل الحميم بين القائد وشعبه فنهض الشعر بكامل قواه الفنية والموضوعية ليصوغ ملحمة ادبية مرصعة بلآلئ الحب الصادق والولاء الحقيقي والانتماء العميق حتى لتتراءى للمشاهد من خلاله جازان ( الذات والمكان ) وهي ترقص فرحاً وتنتشي طرباً وتحتفي بهجة بهذا القدوم الميمون الذي عانق القلوب والأرواح قبل معانقته الأجساد والأبدان ووصف الباحث هذه الشعرية باعتبارها جاءت كلوحات بصرية عكست غمرة الفرح الذي تلبس البحر والجبل والشاطئ والسهل ومنحدرات الأودية والشعاب ولوحات سمعية رددت صدى زغاريد العرس الوطني البهيج وأهازيج الأرض المعطاء وترنمات الروح الشعبية السعيدة.. ومضى الباحث في وصفه قائلاً: لقد اصبحت هذه اللوحات شمية عبقت برائحة عقود الفل وعيون النرجس وثغور الياسمين كاشفاً في الوقت ذاته ان دراسته كانت معنية بالكشف عن ثقافة الولاء والانتماء للوطن من خلال الخطاب الشعري الذي هيأته الذوات أثناء ممارستها للفعل الإبداعي وتفاعلها مع اللحظة الزمنية محيلة على الواقع والمجتمع والتاريخ والمكان مجسدة فعل البقاء والتقدم والرؤية مرتهنة بخيارات الشعرية في التشكيل والبناء والجمال. بعدها قام الباحث الخواجي باستعراض نماذج شعرية لافتة لأبناء المنطقة عن ابتهاجات الانتماء والمكان والإنسان وكذلك ابتهاج الشعرية وصور الانتماء كما تناول في دراسته صورة المليك الإنسان وختمها بصورة الوطن والمواطن من خلال نماذج شعرية لأدباء منطقة جازان رفدت دراسته وعززت رؤيته التي انطلق منها في بحثه. اما الورقة الثالثة والأخيرة فكانت للدكتور صالح بن عبدالعزيز المحمود بعنوان " الشاعر والمدينة .. إشكالية الحضارة وأزمة الانتماء " استهلها بإضاءة حول الحضارة ومفاهيمها المتعددة والمتشعبة موضحاً ان هذه الحضارة تنطلق في مجموعها من علاقة وطيدة بين مركبين شديديْ التعقيد هما المجتمع والمدينة حيث ان الأول هو الساكن الذي يصنع الحضارة ويشيدها والثاني هو المكان الذي تقام فيه الحضارة الأمر الذي جعل ارتباط المجتمعات بالمدن شرطاً أساسيا في صناعة الحضارات الإنسانية ونفى الباحث ان تكون الدراسة معنية بالبحث عن مظاهر الحضارة والتمدن او الكشف عن سلوكيات المجتمع المتمدن موضحاً ان دراسته تعنى فقط بأهم المحفزات التي دعت الشاعر السعودي الى تجربة حضارية واستثارتها فيه انطلاقاً من القيم الحضارية وانعكاسها بصورة مباشرة او غير مباشرة على المجتمع. وأكد الدكتور المحمود في معرض ورقته ان الموقف من المدينة في اكثر معانيه بساطه ووضوحاً هو في حقيقته موقف رومانسي فالهجرة من الريف الى المدينة ثم سيطرة الشعور بالصدمة والخيبة وفقدان القيم هناك والرغبة العارمة في العودة الى الريف عدها الباحث من المبادئ المعروفة في النزعة الرومانسية في الأدب ومضى الباحث في دراسته التي اكد من خلالها ان المحفزات التي تثير التجربة الشعرية في الواقع الاجتماعي تبدو بشكل عام متبلورة مع البعد الحضاري والقيمي للمجتمع لتكون موضوعات جديدة للشعر تنكشف للشاعر المنهمك انهماكاً عميقاً في روح الحضارة والمتفهم لأبعاد الوجه الحضاري لمجتمع ما بما يحتوي عليه من قيم ومثل وخلص الباحث الى حقيقة خاصة كما يقول وهي ان الفيصل في جودة العمل هو أصالة التجربة وبكارة الرؤية واستعرض الدكتور المحمود نماذج عديدة لهذا التأثير للحضارة والريف وما يعتورهما من شعور انعكس على رؤية كل شاعر.