«عرفتك شغوفاً بالوطن مخلصاً للعقيدة وفياً للأمة وحريصاً على العلم وأهله، فسخّرت يا سيدي ما تملك من مال وجهد ومكانة للتوفيق بين الحضارات ونشر قِيَم العدل والتسامح».. وردت هذه العبارات المتدافعة تأكيداً على جزالة التأييد، وبرهنةً عمليةً على توفّر المتابعة عبر خمسة وعشرين عاماً كان فيها الملك عبدالله يدرس إمكانية تنفيذ هذا الإنجاز.. أكد الأمير سلطان أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية متواجدة عبر ذلك الزمن فعلاً وهي في واقع مناسبة بعث الرسالة إلى خادم الحرمين تضج بمصداقية التأييد بل التهنئة بتحقيق هذا السبق الحضاري العلمي المتفرد في أهمياته بين كل تعليم في معظم دول العالم.. هل الذكاء مَنْ اختار أن تتصافح المناسبات الذهبية في زمن واحد أمْ هي المصادفة؟.. في كلتا الحالتين نكون وقتها قد ربطنا في ذهنيّتنا ما في ذاكرتنا من تصوّر لجزالة تدفق التطوير منذ أسسه الملك عبدالعزيز حيث لم تكن توجد مدرسة ابتدائية واحدة وحتى الوصول إلى عصر جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.. الأمير سلطان في حضوره الوطني وجهده المعروف في أن تكون الأسرة المالكة مظلة رعاية للمجتمع ومصدر إمداد لاحتياجات تطويره.. نجد أن هذه الدوافع النبيلة التي تقتضي أحياناً ضرورة إنكار الذات وتقديم ضرورات المسؤولية على أي شيء ذاتي.. نجد أن الأمير سلطان وبالذات منذ عصر الملك فيصل حيث وقتها تكاثرت العداوات قرب معظم حدود المملكة واصل حضور مسؤوليته لا حضور صفته الوظيفية فقط بعد تلك المرحلة فيما توفر من تواصل في عصر الملك خالد ثم الملك فهد ثم مكانته الحالية مرموقاً مقدراً كولي عهد.. لقد تكامل حضور المسؤولية الوطنية مع تميز مسؤوليات الرعاية الإنسانية والوطنية، الأمر الذي لا يكون غريباً حين نشهد ذلك الاحتفاء الجماعي الذي شهدته مدينة الرياض وتدافعت معها فيه كل المدن الأخرى وقراها.. الجميع يريد أن يرى سلطان.. إن رعايته الاجتماعية قد تحملت مسؤوليات طبية لست بالسهلة فهي حضور إداري وعلمي واسع، وفي الوقت نفسه إعطاء المواجهة للحالات المفاجئة ميزة خاصة وإتاحة الفرصة علاجاً لمن عانَوا من إعاقات بسبب الأمراض، أعرف منهم ما لا يقل عن عشرة أشخاص كسبوا العافية.. الإسكان والرعاية الصحية عبر مؤسساتهما هي في الواقع رصد مادي كبير جداً لدعم مسؤولياته الإنسانية، ثم عبر كل ذلك تطل حقيقة مهمة وهي أن من يتعذّر علاجه في الداخل لا يحتاج إلى وساطة إيصال تقرير أو ثناء خاص، فقد كان مجرد النشر لأسماء مرضى يريدون أن يسبقوا مرحلة الخطورة حيث يتعذّر علاجهم في الداخل تأتي إلينا في الجريدة مباشرة اتصالات.. ليست من وسيط.. ولكن من موظف مختص تابع لمكاتب سموه يعلن قرار العلاج في الدولة المطلوبة.. كثيرون جداً استفادوا من هذا السخاء الإنساني، ومن هم غير سعوديين مثل المرحوم عبدالوهاب المسيري وآخرون أبلغت «الرياض» عن أوضاعهم.. والرجل الكبير ليس كبيراً فقط بقدرات بذله الإنساني وسخاء دعمه ولكن أيضاً بجزالة تواضعه وموضوعيته.. ذكر لي كاتب معروف أن وكالة أنباء أجنية نقلت عنه خبراً أجنبياً مغلوطاً بفعل نقل مندوب متحامل للخبر محرفاً.. فغضب لأن مَنْ يعنيه الخبر وقتها كان ضيفاً للمملكة، وفوجئ الكاتب بمكالمة ساخنة جداً تحمّله مسؤوليات لم يتسبّب بها.. ولحرج الموقف انتهت المكالمة وكل شيء معلق.. مسؤول كبير نقل لسموه الحقيقة.. يقول الكاتب: بعد يوم واحد فقط فوجئت بسموه - هو شخصياً - يتّصل ويؤكّد أنه علم بحجم خطأ التحريف.. التواضع هنا عملقة عالية جداً تتطاول بشموخها الموضوعي والفعلي فتلامس شموح كفاءة قدرات مسؤولياته وشموخ قدرات بذله الإنساني.. لكن هو سلطان بن عبدالعزيز الذي شاهدنا حجم إجماع المحبة الذي أحاط بكل الأخبار عنه، ثم في طموحات التشرف بالسلام عليه، وتتساوى في هذه الطموحات المستويات الاجتماعية.. وهذه أيضاً خصوصية لها قيمتها..