الاعتراف بالخطأ فضيلة لا يفعلها الكثيرون ، والهروب من نتائج الخطأ والتنصل منه صفة لآخرين . وعندما تقع الأخطاء تظهر الحقائق لتحرج من هم وراءها فإما أن يكونوا من الشجعان ويعترفوا بالخطأ ونتائجه ، أو أنهم يجبنون عن تحمل شيء منه ليلقوا باللائمة على غيرهم. وعندما هطلت الأمطار على جدة عروس البحر الأحمر ودانته الغالية تعالت الأصوات النائحة والمتسائلة والمفجوعة والحائرة وصمتت أصوات أخرى ! هذه المحنة وما خلفته من خسائر فادحة في الأرواح والأموال هزت وآلمت وأبكت جميع المواطنين لأنها جعلتنا نرى الوجه الآخر بما فيه من قبح وأسى. صدمتنا بوقائع لم نعتدها ، وقائع حركت أمواجا كثيرة متلاطمة جعلت المواطنين يتحفزون ويترقبون لما هو آت . ومن المدهش حقا أنه بالرغم من هول واقعة جدة ظهرت الأصوات في القنوات الفضائية تطالب بالمحاسبة وأخرى تدافع وتفند ولم يظهر صوت واحد بعدُ يعترف بالخطأ ! الكل يلقي باللائمة على الآخر ، الأمانة تلوم الوزارة والوزارة تلوم جهات أخرى والناس في حيرة وانتظار لمسؤول شجاع يعترف بخطئه ! الأمطار والسيول من المحن الشديدة التي تستعيذ منها الناس وقد يصعب تلافيها لكن يمكن التخفيف من آثارها هذا ما يردده الجميع ويمكن أن يعول عليه أي مخطئ لو أنه تشجع واعترف ولو بالتقصير ! ثقافة الاعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليات القرار وتبعاتها تكاد تكود ضعيفة في ثقافتنا كمجتمع سعودي أو عربي . من النادر جدا أن نسمع عن مسؤول يعلن عن استقالته اعترافا منه بخطئه ، هنالك كثيرون أعفوا من مناصبهم لتقصير ما أو خطأ لكن لم يجرؤ أحد من قبل على الاستقالة وترك كرسي المسؤولية قبل أن ُيجبر على ذلك حتى ولو كان مخطئا. مدينة جدة اعتادت أن تروّج لنفسها بمقولة (جدة غير..) وهي فعلا كذلك فهل تنطبق مقولتها الترويجية على مسؤوليها، فيترجل أحد منهم ويستقيل ندما وتحملا للخطأ قبل أن يقال أو يعفى بناء على التقارير واللجان التي ستفضح تقصيره أو خطأه وتهاونه؟! هذا السؤال مهما كانت إجابته لن يشفي جرح المدينة الغارقة ولكنه قد يخفف من ألمها ويعطيها أملا بأن القادم أفضل بإذن الله. فالإصلاح كثقافة يختلف عن التصليح كقرار وهذا هو ما ننتظره كمواطنين ، نريد شجاعة في تحمل الخطأ، نريد وضوحا عند طرح ملابساته، نريد خططا واقعية لتعديله وإصلاحه .