«أن تستقيل متأخراً خير من ألا تستقيل» هي العبارة المناسبة التي اتفق عليها مراقبو وخبراء الاقتصاد والإدارة الذكية في السعودية، حول إدارة الأزمات الفاشلة من قبل بعض المسؤولين الذين يخجلون من «الاستقالة» ويعيبون على أنفسهم مبدأ «الاعتذار» عن الخطأ. ولا يختلف المثقفون على أن «الاستقالة» هي من الفنون الحضارية وميزة تلتصق بالشعوب المتقدمة وهي من الركائز الرئيسة للاقتصاد الناضج والقوي شريطة أن تكون المحاسبة والمكاشفة والمساءلة حاضرة في الأزمات التي تقع بين الفينة والأخرى. المناسبة للحديث عن ثقافة الاستقالة جاء بعد تلاطم التهم وتنصل الجهات عن الاعتراف بالمسؤولية تجاه كارثة أمطار جدة ، وهو ما دعا مجالس السعوديين تتحدث عن ضرورة الاعتراف بالخطأ وعدم الخجل من التقدم ب «الاستقالة» من قبل المسؤولين في حال الفشل في إدارة الأزمات كحق للدولة ورد اعتبار للمواطنين. و يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي التواتي في حديث إلأى «الحياة» أنه لا يجب التأخير في فكرة الإقالة الفورية لأي مسؤول مقصر في عمله مع الإعلان عن ماهية هذا التقصير أمام الرأي العام، مضيفاً أن الحكومة السعودية تدفع بلايين الريالات من أجل الوطن والمواطنين وتضع هذه الأموال أمانة يجب صونها وصرفها في موضعها. وقال: «إن ثقافة الاستقالة تنضج لدى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل أجهزتها الرقابية والشرعية على رصد أعمال الأجهزة التنفيذية بشكل قوي ومتطور بعيداً عن البيروقراطية التي لا تخدم المصلحة العامة». وأشار إلى أن ولادة ثقافة الاستقالة في أي مجتمع من شأنه أن يقود تلقائياً للمزيد من القوة الاقتصادية لهذه المجتمعات، مضيفاً أن إصرار «المسؤول» على التمسك بمنصبه وعدم قدرته على مغادرة كرسي «الرئاسة» من شأنه أن يؤدي إلى هدر مالي كبير، إضافة إلى العشوائية في توزيع الموارد المالية. ولفت إلى أن كارثة أمطار جدة من شأنها أن تفتح الملفات القديمة، لاسيما وأن ملف تصريف مياه السيول وشبكات الصرف الصحي كانت مطروحة منذ خمسة عقود ورصدت لها حتى الآن ما يقارب ال 30 بليون ريال، في وقت يؤكد فيه أمين جدة المهندس عادل فقيه أن شبكات الصرف الصحي وتصريف مياه السيول لا تغطي سوى 30 في المئة من مدينة جدة طيلة هذه السنوات. ويقول الخبير في نظم الإدارة الذكية وتحليل الشخصية الدكتور سامي الأنصاري ل «الحياة» إن الحكومة السعودية لا تزال تدفع الكثير من البلايين من أجل راحة المواطنين ولضمان خدمة مميزة لهم، إلا أن هذه الأموال بحاجة إلى رقابة ومحاسبة ومكاشفة حتى لا يكون هناك هدر لأموال الدولة. ويضيف أن المسؤولين في الدول المتقدمة والكثير من الدول العربية لا يخجلون من تقديم استقالاتهم عندما يفشلون في إدارة الأزمات التي تتعرض لها منشآتهم، خلافاً لشجاعتهم في تقديم الاعتذار للدولة وللمواطنين عن أخطائهم وفشلهم في إدارة هذه الأعمال. وقال إن ثقافة الاستقالة هي من الأفكار الراقية والذكية في تجاوز الأزمة والابتعاد عن الاصطدام مع الجمهور، مشيراً إلى أن الاستقالة بحد ذاتها تعكس مدى وعي المسؤول واعترافه بخطئه وهو ما يدفع بالآخرين إلى الاجتهاد في عملهم وعدم التقصير في المهام الموكلة لهم من الحكومة. وزاد: «يجب على كل مسؤول يفشل في المهام الموكلة له أن يبدأ في تنفيذ الخطة (B) وهي الاستقالة، لفتح المجال للأخريين أن يديروا العمل مع الحرص على تصحيح الأخطاء السابقة مباشرة وعدم إهمالها لفترات طويلة حتى لا تقع الكارثة كما يحصل الآن في أمطار جدة».