عندما يترك منصبه، في غضون عامين أو سبعة أعوام، فإنه من الممكن جدا أن تكون أكبر إنجازات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هو الضغط على أوروبا للخروج من ظل الحماية العسكرية للولايات المتحدة. وقد عمل الرئيس الفرنسي على الاقل بشكل جزئي لتحقيق هذه الغاية، فقد قاد ساركوزي فرنسا إلى العودة للقيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ليلغي القرار الذي اتخذه شارل ديجول عام 1966 وأعاد فرنسا للعضوية الكاملة في الحلف. وفي مقابل هذا التحرك، الذي اكتمل في 4 أبريل ،2009 تم تعيين الجنرال الفرنسي ستيفان أبريال قائدا أعلى لتدريب قوات الحلف في نورفولد بولاية فرجينيا، وهي المرة الأولى التي يتولى فيها شخص غير أمريكي احد القيادات العليا بالحلف. كما تم تعيين جنرال فرنسي آخر قائدا للقيادة المشتركة للحلف في لشبونة، لتحصل باريس - وأوروبا - على سلطة غير مسبوقة بحلف الناتو. وقال ساركوزي في آذار/مارس 2009 "إذا تحملت فرنسا كل مسؤولياتها في حلف الناتو، سيكون لأوروبا مزيد من النفوذ في الحلف. وبذلك لن يكون حلف الناتو منظمة تخضع للهيمنة الأمريكية بشكل حصري". كما تستهدف استراتيجية ساركوزي إثبات أن أوروبا القوية عسكريا- في صورة سياسة الأمن والدفاع الأوروبية أو دفاع أوروبا- لن يهدد العلاقات عبر الأطلسي بل سيعزز هذه العلاقات. وأضاف "إذا قدمنا دفاع أوروبا كبديل للتحالف مع الولاياتالمتحدة، فنحن بالتأكيد نقتل فكرة دفاع أوروبا.. إذا قدمنا دفاع أوروبا باعتباره إجراء مكملا للتحالف مع الولاياتالمتحدة، فإننا سندفع دفاع أوروبا إلى الأمام". وحصلت طموحات ساركوزي على دفعة بلاغية من جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي قال إن واشنطن تؤيد أوروبا أقوى. وكان سلفه، جورج بوش، قد أدلى بنفس التصريح عند اقتراب نهاية فترة ولايته الثانية. ويعد هذا تحولا كبيرا من نظرة الريبة والتشكك التي استقبلت بها واشنطن "سياسة الأمن والدفاع الأوروبية" عند مولدها في عام 1999. وحققت تلك السياسة بعض النجاحات من بدايتها حيث نشرت قوات في البوسنة والكونغو وضباط شرطة في أفغانستان ومراقبو سلام في إندونيسيا. وكانت أكبر بعثة وأكثرها تعددا للجنسيات هي قوة يوفور التابعة للاتحاد الأوروبي التي تم نشرها عام 2008 في تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى. وبسبب الأزمة الاقتصادية، أصبحت الأموال المخصصة من أجل الدفاع محدودة ولذلك تصر لندن على أن القيام بنفس ما يقوم به حلف شمال الأطلسي سيكون بمثابة مضيعة للأموال وبات من الواضح أن البريطانيين يفضلون القيام بواجباتهم من خلال حلف الناتو. وعندما تم طرح فكرة إقامة مقر رئيسي أوروبي للعمليات لأول مرة على لسان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، قوبلت الفكرة برفض تام من الولاياتالمتحدة وبريطانيا حيث اعتبرتها واشنطن "أكثر التهديات خطورة على مستقبل حلف الناتو". ومع ذلك، يبدو أن الولاياتالمتحدة قد غيرت لهجتها بشأن هذه مسألة إلا أن بريطانيا لم تفعل ذلك ومازالت تتمسك بموقفها.