مع إطلالة شهر ديسمبر الحالي تكون قد انقضت اكثر من مائة يوم منذ بداية المواجهات العسكرية التي يخوضها الجيش اليمني ضد عصابة الإرهاب والتمرد الحوثية في محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان، وحوالي خمسة أسابيع على المواجهات بين القوات السعودية وهذه العصابة، هذه العملية العسكرية اعتبر البعض في الداخل والخارج أن أمدها قد طال أكثر مما كانوا يتوقعونه، أو هكذا يعتقدون، وانتابتهم حالة من الريبة والشك في إمكانية وقدرات الجيش اليمني، وحتى الجيش السعودي على حسم المواجهة.. وتحقيق الأهداف النهائية لهذه الحرب.. سواء تلك التي أعلنتها القيادة اليمنية والمحددة في القضاء على هذه العصابة الإرهابية المتمردة، وإخماد جذوة الفتن التي أشعلتها داخل الأرض اليمنية وعلى حدودها الشمالية الغربية، وإعادة الأمن والسكينة العامة والسلام الاجتماعي والوحدة العقدية والوطنية للشعب في هذه المحافظة، أو تلك الأهداف التي أعلنتها القيادة في المملكة العربية السعودية، والمحددة في تطهير الحدود السعودية من عناصر الإرهاب الحوثية ومحاولات تسللها عبر الحدود وتأمين حدودها من كافة التسللات والاختراقات، وطرد العناصر الحوثية. حالة الشك والريبة هذه، وان كانت في طابعها العام تعبر عن حالة القلق من استمرار المواجهة العسكرية وتوسيع نطاقها الجغرافي واستفحال أخطارها وامتدادها وتداعياتها السلبية على حاضر ومستقبل اليمن وعلى الأمن والاستقرار الإقليمي في ظل التنامي المستمر لحجم التدخلات السلبية الخارجية وتعدد أطرافها وتنوع أشكالها وأساليبها ووسائلها، إلا أن هذه الريبة وهذا الشك لهما من الأسباب والعوامل ما يبررهما عند هذا البعض من بينها: الجهل بطبيعة ونوعية الحرب التي تخوضها القوات المسلحة والأمن اليمنية على مختلف الصعد ضد هذه العصابات واختزالها من قبل البعض ضمن جبهة واحدة من جبهات هذه الحرب المفتوحة، هي جبهة الصراع المسلح، وتقييم الوقائع والأحداث والتطورات المعتملة من هذه الزاوية الضيقة دون غيرها، وقياس مدى نجاحها أو فشلها من منظور وتائر وسرعة الحسم العسكري الميداني، وحجم ونوعية الخسائر البشرية والمادية والدمار الذي تسببت فيها المواجهات مع تلك العناصر الإرهابية، ومثل هذه المعايير لا يمكن أن تكون مقبولة من قبل الدولة اليمنية لأنها ستكون على حساب الوطن ومستقبل الشعب اليمني أياً كان طرفها، لأنها نابعة من تأثير الدعاية السياسية والتضليل الإعلامي الخارجي الموجه لخدمة هذه العناصر المتمردة، وتضخم قوتها وقدرتها ومناعتها العسكرية، ويأتي هذا التوجه الدعائي في إطار الحرب النفسية المعادية المكرسة في محاولة لإلحاق الهزيمة المعنوية والنفسية والفكرية بالمجتمع اليمني وزعزعة ثقته في قدرات وإمكانات قواته المسلحة والأمن، ووصول البعض إلى مثل هذه الحالة من الشك والريبة، هو دليل ضعف حصانتهم الفكرية والمعنوية ونجاح الحرب النفسية المعادية في التأثير على قناعاتهم ومواقفهم. التقييم الظاهري الخاطئ لتجارب الصراعات السابقة التي كانت أهدافها تكتيكية مكرسة في خدمة خيارات الحوار ومعالجة مشاكل الواقع بالوسائل والأساليب السلمية التي ظلت في بداية الجولة السادسة من المواجهة العسكرية.. والتصدي لعناصر الإرهاب والتخريب الحوثية خياراً استراتيجياً ونهجاً ثابتاً للدولة اليمنية في التعامل مع الفتنة ومحاولة حلها عبر سبل اقل تكلفة من الناحية الوطنية تضمن عودة هذه العناصر إلى جادة الصواب وإرغامهم على القبول بممارسة أنشطتهم المختلفة بالوسائل السلمية المعهودة كأي مواطن يمني تحت مظلة الدستور والجمهورية والوحدة والنظام والقانون ، وإجماع الأمة، ونبذ العنف والإرهاب. التضخيم غير المبرر لأهمية وتأثير الدور والعامل الخارجي وفعله الكبير في حسم هذه الحرب في غير صالح الدولة اليمنية، وهذا التضخيم يكون عادة على حساب تغييب العنصر الوطني الداخلي وأهميته ودوره الرئيس في حسم مثل هكذا مواجهة مسلحة مع عصابة إرهابية ومتمردين خارجين عن الدستور والقانون والنظام مهما تعددت أطرافها الخارجية وأشكال الدعم الذي تقدمه بعض الجماعات الدينية (الحوزات والمرجعيات) وغيرها من الجهات الأجنبية للعصابات الإرهابية المتمردة. التشكيك في قدرات وكفاءة الجيش اليمني ومحاولة تأكيد ضعفه أو فشله في حسم هذه المعركة والسعي إلى زعزعة ثقة الوطن والشعب فيه، ومثل هذا الطرح الذي لا يستند على حقائق ووقائع موضوعية أو تأريخية، ما هو إلا محاولة ميؤوسة للنيل من هذه المؤسسة الوطنية ودورها الريادي الحاسم في التغيير الثوري، فالجيش اليمني يمتلك سجلاً حافلاً من التجارب والخبرات المتراكمة من الحروب التي خاضها دفاعاً عن الثورة والنظام الجمهوري والوحدة، ويعتبر بكل المقاييس مدرسة حربية رائدة غنية بخبراتها وتجاربها وإرثها البطولي في مختلف فنون الحرب وأشكالها المختلفة، هذا الجيش الذي تخلّق في رحم الصراع.. وترعرع في أتون الحروب لم ولن يخسر أية معركة قط، هو اليوم أكثر أهلية وارفع جاهزية قتالية ومعنوية واقتدارا على انتزاع النصر وحسم المعركة. لقد علمتنا تجارب السنوات الخمس المنصرمة من المواجهات المسلحة والتصدي لعناصر الإرهاب والتمرد، والصراع السياسي والفكري مع هذه العصابة استحالة تحقيق انتصار نهائي وناجز بالوسائل العسكرية وحدها، على خصم عقائدي إرهابي متطرف على درجة عالية من الإعداد والتنظيم والتسليح ويمارس حرب العصابات في مواجهة جيشين نظاميين، إلى جانب أنه يحمل مشروعاً سياسياً وأجندة خارجية، كما لا يمكن محاصرته وتدميره وهزيمته فكرياً وعقائدياً بالوسائل العسكرية وحدها، مثل هكذا حروب داخلية لا تحسمها الدبابات والمدافع وشجاعة الجنود في خطوط المجابهة العسكرية، ولكنها تحتاج إلى وسائل ومعارك سلمية أخرى تدور رحاها بالتزامن مع المواجهة العسكرية وبعيداً عن مسرحها العملياتي على مختلف الجبهات السياسية والدبلوماسية، والإعلامية والعقائدية الدينية والأخلاقية والاجتماعية، ولابد لهذا النوع من الحروب الداخلية ان تأخذ إطارها الزمني الكافي حتى يصل فيها الخصم إلى لحظة الانهيار الكلي على مختلف الجبهات السلمية والعسكرية والاستسلام غير المشروط. ما يعتمل اليوم على الساحة اليمنية أكثر من مجرد صراع عسكري مسلح بين الدولة وعصابات إرهابية متمردة.. بل هي حرب وطنية شاملة متعددة جبهاتها وأشكالها ووسائلها وأسلحتها السلمية والعسكرية، ومفتوحة على أكثر من صعيد، واضحة ومحددة أهدافها المرحلية والإستراتيجية بأبعادها الداخلية والخارجية، حرب مسخرة باتجاه الحسم النهائي في تفكيك نواة هذه العصابة وتدمير بنيتها المادية والعسكرية والفكرية وإخماد الفتنة التي أشعلتها قبل أن تتحول إلى بؤرة جديدة للإرهاب الإقليمي والدولي.. ووسيلة لضرب الأمن والاستقرار في المنطقة، وقد حددت أهداف هذه المواجهة من خلال التوجهات العملية التالية: التصدي المباشر لبغي هذه العصابة وضلالها وفسادها الفكري والأخلاقي وسلوكها الشاذ، وحماية المواطنين في محافظة صعدة وحرف سفيان من إرهابها المستشري، ودعم المواطنين مادياً ومعنوياً بشكل فاعل ومباشر وتعزيز صمودهم وتوسيع نطاق مقاومتهم ومواجهتهم لهذه العصابة والحد من تغلغلها وفسادها في أوساط السكان بشتى الوسائل الممكنة والمتاحة، لأن المواطنين في صعدة وسفيان هم الذين تضرروا أكثر من غيرهم من ممارسات هذه العصابات التي تستهدفهم في الدرجة الأساسية قبل غيرهم. محاصرة هذه العصابة فكرياً وعسكرياً وسياسياً ودينياً ضمن أضيق نطاق جغرافي واجتماعي ممكن وبتر كافة اذرعها التي حاولت مدها إلى بعض المحافظات حاملة معها نيران الحقد والتعصب الطائفي، وإجهاض كل مساعيها لإشعال المزيد من حرائق الفتن والصراعات الأهلية خارج محافظة صعدة. تقويض بنيتها السياسية والتنظيمية غير المشروعة والشاذة عن واقعنا السياسي الديمقراطي.. الخارجة عن العقد الاجتماعي للشعب، ومطاردة وملاحقة خلاياها التنظيمية السرية حيثما وجدت، وتفكيك مشروعها السياسي الإمامي الظلامي الكهنوتي المتخلف، وفكرها العقائدي الطائفي المتحجر، والقضاء على شهواتها وتطلعاتها الجامحة في السيطرة على السلطة بانتهاج العمل الإرهابي العسكري المنظم ووسائل وأدوات غير سلمية وغير مشروعة، واستغفال عامة الناس من خلال ادعاء الحق الإلهي في الحكم، واعتبار كل من يحكم في اليمن والمنطقة مغتصبي حكم إذا لم يكونوا من سلالة هذه الفئة. التصدي الحازم لفكرها العقائدي الضال ومحاصرته وكشف حقيقة مروقها عن صحيح الدين والمذهب الزيدي وخروجها عن جادة الحق والصواب، واستخدامها سلاح الفتاوى الدينية الزائفة لمحاربة الأمة والدين بفكر إرهابي تدميري ابتدعته رموز وشخوص دينية مسيّسة من أصحاب الطموحات غير المشروعة والاجتهادات الفردية المغلوطة الخارجة عن الثوابت الإيمانية والمقررات الشرعية. القضاء على المليشيات المسلحة وتدمير بنيتها الحربية التحتية ومكوناتها العسكرية المادية والتنظيمية وتجريدها من قدراتها على القيام بأي عصيان أو تمرد مسلح على الدولة في المستقبل تحت أي ظرف من الظروف. التصدي لمختلف أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الوطنية وتدمير كل جسور التواصل والدعم الداخلي والخارجي بشتى صوره وأشكاله، واحتواء كل المحاولات الخارجية الرامية إلى دعم هذه العصابات وحمايتها وتعزيز قدرتها على البقاء والاستمرارية، وتحويلها إلى أداة سياسية عقائدية فاعلة وقاعدة عسكرية دائمة ومتقدمة يستخدمها أعداء الأمة العربية لتحقيق مشاريعهم التوسعية ومصالحهم الإستراتيجية في المنطقة على حساب الوطن اليمني. عدم تكرار سلبيات وأخطاء الماضي في التعاطي مع هذه العصابة، والمضي بالمواجهة العسكرية إلى غايتها النهائية وبالذات خيار الحسم العسكري وعدم ترك المجال لأنصاف الحلول ولكل أشكال المساومات والمقايضات السياسية، وإجهاض كل المحاولات والمساعي الداخلية والخارجية الرامية إلى إخضاع قضايا الوطن المصيرية للمناورات والابتزاز السياسي. هذه وغيرها من الأهداف يجري تنفيذها على الصعيد العملي بسلاسة وتدرج وتكامل على مختلف جبهات الحرب السلمية وغير السلمية، وفق خطة إستراتيجية عملياتية أعدتها القيادة اليمنية في ضوء نتائج الدراسة المنهاجية التحليلية الشاملة والدقيقة لكافة تجارب جولات المواجهة العسكرية السابقة بكل ايجابياتها وسلبياتها والدروس المستفادة منها، التي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن عدم الانتصار في الجبهة العسكرية على هذه العصابة، يساعد على زيادة صلابة وقوة هذه العصابة وخبراتها القتالية، وخلق شروط وعوامل جديدة لصراع عسكري آخر أوسع نطاقاً وأشد حدة وضراوة وأكثر تكلفة وطنية. تجارب الصراعات السابقة، وفشل كافة الحوارات والمساعي والجهود السلمية التي بذلتها الدولة اليمنية لاحتواء الفتنة، أكدت أيضاً استحالة اجتثاث هذا الوباء السرطاني الخبيث إلا من خلال حرب وطنية شاملة طويلة الأمد وعلى مختلف الجبهات، وفق رؤية وخطة إستراتيجية قادرة على استيعاب كافة المعطيات والتطورات والمستجدات، وموازين قوى الصراع وتداخلاته ومؤثراته ومتغيراته الممكنة والمحتملة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية وفي كل مرحلة من مراحل هذه الحرب. أكثر من مائة يوم انقضت منذ بداية هذه الحرب الشاملة ويوماً عن يوم تزداد حدتها وضراوتها على مختلف الجبهات العسكرية والسلمية، وتتكشف أبعادها ومخاطرها عن معطيات وتدخلات إقليمية ودولية جديدة، مما يطيل من أمدها ويضاعف من طبيعة تكاليفها التي تستخلصها من الوطن. * رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية