بعد أن عصفت الأزمة المالية بالعالم وشلت حركة الاقتصاد في كل مناحي الحياة ومفاصل القوة الاقتصادية، من جديد تطل برأسها داخل منطقتنا ومن خلال مدينة دبي التي عرفت بجذب الاستثمار الخليجي والعربي والعالمي وأصبحت مركزا تجاريا عالميا ظهرت أزمة جديدة داخل مدينة دبي ما اطلق عليها "أزمة ديون دبي" ، ظهرت تقارير اقتصادية سلبية وايجابية بين متشائم يرفض التعليق على ما حدث ويعتبر أنه أمراً طبيعيا على دبي ما تعرض له المدن الاقتصادية العالمية وأن التضخم والأرقام الفلكية المبالغ بها وصلت ذروتها فيما يخص العقار واعتبره البعض بأنه إعادة تصحيح وإنصاف للمستهلك البسيط وليس لنخبة الأثرياء وبين متفائل لا يستغرب ما حصل وهو جزء من تداعيات الأزمة المالية العالمية وبإمكان استيعابه والتغلب عليه وتجاوز مدينة دبي من هذه الأزمة بفعل تنوع المصادر الاقتصادية للمدينة وليس فقط وارداتها مرتبطة بالعقار، ولكن لديها مشاريع استثمارية وتجارية أخرى مثل السياحة والتجارة ومثال على ذلك ايرادات طيران الامارات التي سجلت أعلى نسبة أرباح في تاريخها رغم الأزمة المالية والظروف الراهنة في العالم ولا سيما مدينة دبي بشكل خاص ودولة الامارات العربية المتحدة التي ايضا سجلت أغلى دخل في العالم وأضخم ميزانية في تاريخها ، وقد ظهر تقرير حديث أثار مسألة إعادة هيكلة مجموعة دبي العالمية وطلبها تأجيل سداد بعض من ديون شركاتها التابعة، وخصوصا شركة نخيل العقارية، إعادة ضبط العقلية السائدة لمفهوم الشركات التجارية بغض النظر عن من يملكها، أي شركة، يتم تأسيسها بحسب قانون الشركات في أي دولة، وفيه يتم تحديد مسؤوليات الشركة والتزاماتها وغيرها من الأمور التي تحدد حياة واتجاه سير الشركة. ولذلك، استغلت بعض التقارير انشغال غالبية المتابعين لدبي ومشاريعها وامتداداتها المحلية والإقليمية والعالمية، في التذكير بأهمية مبدأ فصل الشركات، التي لها كيان وشخصية اعتبارية كاملة بحكم القانون، عن ملاكها وحتى لو كانت مملوكة بالكامل للحكومات أو جهات رسمية تتبع أي دولة. وفي تصريح خاص ل" الرياض" قال محافظ مركز دبي المالي العالمي السابق الدكتور عمر بن سليمان : في ما يخص الاقتصاد العالمي، بالفعل تجاوزنا أسوأ ما في الأزمة. ولكن الكثير من العمل ينتظرنا لمعايرة وإعادة هيكلة النظام المالي العالمي في ضوء الدروس المستفادة من هذه الأزمة. لقد كانت منطقة الخليج بمنأى عن الأزمة نسبياً بفضل الأسس المتينة للاقتصاد الكلي، والاحتياطي الكبير من السيولة، والتركيبة السكانية الداعمة، والتدفقات الغزيرة الواردة من العمالة الماهرة والمتخصصة. وفي الواقع، تشكل الأزمة المالية فرصة لدول الخليج لتعزيز القوة الاقتصادية التي تتمتع بها من خلال المشاركة بفاعلية أكبر في المشهد الدولي وكذلك في صنع القرار على أعلى المستويات. ومع انتقال مركز ثقل القوة الاقتصادية العالمية نحو الشرق، فإن المنطقة تقف على أعتاب فرصة تاريخية لتفعيل دورها العالمي بشكل أكبر. وأضاف بن سليمان ل"الرياض" على سبيل المثال فقد جهدنا في مركز دبي المالي العالمي منذ بداية الأزمة المالية العالمية في تطوير استراتيجة المركز لتحديد هذه الفرص مما حدَ وبشكل كبير من تأثير الأزمة المالية العالمية على مركز دبي المالي العالمي، وساهم في تعزيز تنافسيته بشكل أكبر من ذي قبل. ويواصل مركز دبي المالي العالمي استقطاب البنوك والمؤسسات المالية من كافة أنحاء المنطقة والعالم، مستفيداً من عرض القيمة الذي يتمتع به. وسوف يستفيد المركز من إمكانيات النمو التي تزخر بها المنطقة في مواصلة بناء أسواقه ومؤسساته. برج دبي وقال ابن سليمان لقد كان تأثير الأزمة على دول مجلس التعاون الخليجي محدودا، وأي تأثير تركته الأزمة على المنطقة فهو ناجم عن التباطؤ العام في الاقتصاد العالمي والانكماش في التجارة العالمية وليس لأي اسباب هيكلية. وفي الوقت الحاضر، تتبوأ دول الخليج موقعاً متميزاً للاستفادة من الفرص الجديدة التي سيجلبها الانتعاش، خاصة في ظل الارتفاع المتوقع لأسعار النفط في عام 2010. ولكن يجب على المنطقة أن تأخذ العبر من المشكلات التي تواجهها الأسواق المالية الغربية، ولا بد لنا من تحسين ممارسات حوكمة الشركات والبيئة التنظيمية لمواجهة المخاطر وتجنب نقاط الضعف التي كشفت عنها الأزمة المالية العالمية. نحن بحاجة للعمل على تحديد البيئة التنظيمية المثلى لحفز نمو واستقرار الاقتصاد والقطاع المالي على المدى الطويل. وأشار محافظ مركز دبي المالي السابق خلافاً للأسواق الأخرى في العالم، لم تتوقف منطقة الخليج عن تطوير بنيتها التحتية، مما يعزز قدرتها على التنافس ويجعلها مؤهلة لجذب استثمارات جديدة وتحقيق نمو سريع عندما يحدث الانتعاش. علاوة على ذلك، فإن انتقال مركز الثقل المالي العالمي باتجاه الشرق يمنح منطقة الخليج فرصة لتعزيز قوتها وكذلك الاستفادة من علاقاتنا التاريخية مع اقتصادات الأسواق الناشئة مثل الصين والهند، كما أن المنطقة مؤهلة لاستقطاب الكثير من الكفاءات نتيجة عمليات التسريح الواسعة التي شهدتها الأسواق الغربية. من جهته قال المهندس خالد اسبيته العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة المزايا القابضة في تصريح ل"الرياض" إن الأزمة المالية العالمية لن تكون يوما خلف ظهورنا، بل ستبقى أمام أعيننا وفي عقولنا كي نتعلم منها في كل مرحلة من مراحل المستقبل. أما عن الوضع الحالي فإن كافة المؤشرات تشير إلى نجاح دول الخليج في تخطي آثار الأزمة وأنها تستعد لإستعادة النمو خلال 2010 بمعدل 5.2% إذا واصلت العوائد النفطية إرتفاعها إلى 150$ كما هو متوقع بحسب صندوق النقد الدولي. كما أن الإجراءات التي قامت بها كافة دول مجلس التعاون التي تتمتع بوضع مالي قوي قبل الأزمة ساعدت إلى حد بعيد في امتصاص آثار الأزمة، لاسيما تلك الإجراءات المتعلقة بالدعم المالي وضخ السيولة في القطاع المصرفي. ولفت سبيته ل"الرياض" الى إن من أهم ملامح التعافي في إقتصاديات دول مجلس التعاون هي التحسن التدريجي في أسعار النفط وتحسن مؤشرات أسواق المال المحلية لاسيما على أثر التحسن الحاصل في أداء الشركات المدرجة، علاوة على ارتفاع مؤشر الثقة في السوق المحلي، والارتفاع في أسعار العقارات في بعض المناطق والعودة التدريجية لحركة الإنشاء في المشاريع، إلى جانب مباشرة الشركات الكبرى التوصل إلى حلول بشأن قروضها، كذلك انخفاض معدل الفائدة في القطاع المصرفي واستئناف حركة الإقراض، وارتفاع معدلات التوظيف خلال الأشهر القليلة الماضية مقارنة بالربع الأخير من العام 2008. وقال إن دول مجلس التعاون الخليجي لم تكن بمنأى عن تداعيات هذه الأزمة نظراً لأنها جزء من المنظومة الاقتصادية العالمية لاسيما في ظل سياساتها التنموية التي تقوم على الانفتاح والاستفادة من فرص العولمة. وكانت دول مجلس التعاون قد تضررت بصورة مباشرة من الأزمة المالية العالمية نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط والتوقف المفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة. إلا أن المنطقة العربية لم تتأثر بنفس الحدة مثلما تأثرت مناطق أخرى في العالم، خصوصا أن قوة الاقتصادات الخليجية والاحتفاظ بموجودات أجنبية ضخمة وبمجموعة من المنتجات الاستثمارية المهمة خففت من تداعيات الأزمة العالمية على دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن الاحتياطيات الهائلة بالمنطقة والتي تراكمت على مدى ست سنوات جراء ارتفاع أسعار النفط حمت المنطقة من أسوأ مراحل الأزمة الاقتصادية التي دفعت بعدد من أكبر الاقتصادات العالمية إلى الركود. واعتماداً على الاحتياطيات الكبيرة التي تجمعت قبل الأزمة، تحركت حكومات هذه الاقتصادات لمواجهة الأزمة بانتهاج سياسات توسعية على مستوى المالية العامة وتوفير دعم السيولة لقطاعاتها المالية، مما ساهم في احتواء تأثير الأزمة على الاقتصاد ككل. إلى جانب ذلك، فإن مواصلة سياسة الإنفاق العام بمستوياتها المرتفعة بالرغم من التراجع الملحوظ في العائدات النفطية خلال 2009، كان لها الأثر الإيجابي كعامل محفز للاستقرار، وللمساعدة في استمرار القوة الدافعة للتعافي. واخيراً قال المهندس سبيته في تصريحه ل" الرياض" على الرغم من بوادر التعافي الإقتصادي التي برزت مؤخرا، فإنه لا يزال الخطر محدقا بدول مجلس التعاون، وما زال أمام هذه الدول العديد من التحديات في الفترة المقبلة. إذ ينبغي تطوير أدوات لسياسات فعّالة كزيادة في الإنفاق العام وتخفيض تكلفة الإقراض، وبالتالي تعزيز حركة السيولة المحلية وتنشيط الطلب الكلي، بما يؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. هذا إلى جانب ضرورة تنويع القطاعات الإقتصادية غير النفطية ودعمها كي تساهم بشكل فعال في الناتج المحلي. ومن المهم جدا الاستثمار في التعليم والتدريب من أجل تطوير الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية، إضافة إلى تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال اتباع أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال بما يعزز الاقتصاد الوطني وترسيخ مكانته على خريطة التنافسية العالمية.