كنتُ في الأسبوعين الماضيين في زيارة إلى جدة وشاهدت بعيني ما خلفته كارثة السيول التي غمرت أجزاء من المدينة. الحق، إن من سمع ليس كمن رأى. صور الدمار ستبقى طويلا في ذهن كل من شاهدها، وستغير حياة كثيرين إلى الأبد. ألم فقد الأحبة، والإحساس بعدم الأمان، والشعور بعظمة الخالق وقدرته وأننا كبشر سريعو العطب طويلو الأمل .. كل هذه مشاعر لابد وأنها انطبعت عميقا في نفوس من كانوا طرفا في تلك الفاجعة أو من شهدوها. الأسى والحزن والغضب الذي شعر به سكان المناطق المنكوبة وذووهم لابد وانه خف كثيرا عندما سمعوا بالأمر الملكي الذي صدر يوم الاثنين الماضي. فملك الإنسانية أعاد إليهم الأمل بان حقهم في محاسبة المتسببين والمقصرين لن يضيع، وأمر لهم فوق ذلك بجبر مصيبتهم بمليون ريال كمواساة عن كل نفس زكية اختارها الله إلى جانبه في تلك الأيام الفضيلة. الأمر الملكي أوضح أن ملك الإنسانية، المشغول حينها في متابعة تقديم كل الخدمات الممكنة لتسهيل مناسك حج ضيوف الرحمن في منى، كان يتابع بدقة ما كان يحدث في جدة. وانه ما أن فرغ من أداء واجبه الشرعي هناك حتى اتجه إلى جدة عازما على معالجة الفاجعة بضرب المقصرين بيد من حديد والمسح بحنو على رؤوس ذوي الشهداء الغرقى. ما يلفت الانتباه في الأمر الملكي الكريم هو وضوح مقدار الحزن والألم الذي اعترى خادم الحرمين الشريفين تجاه ما حدث. إذ انه، حفظه الله، ذكر أكثر من مرة في ثنايا الأمر الملكي انه مسؤول شرعا عن التصدي لهذا الأمر. وانه عازم على الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه أمام الله تعالى بان يقوم بواجب الامانة والمسؤولية تجاه الدين ثم الوطن والمواطن. الحق إن خادم الحرمين الشريفين أدى واجبه الشرعي هنا. وهو قد حمّل اللجنة التي أمر بتشكيلها مسؤولية عظيمة حين قال: "على اللجنة الرفع لنا بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات بشكل عاجل جداً ، وعليها الجد والمثابرة في عملها بما تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل ، وهي من ذمتنا لذمتهم ، مستشعرة عظم المسؤولية وجسامة الخطب". بارك الله فيك يا خادم الحرمين الشريفين ومتعك الله بالصحة وطول العمر فانك والله قد طيّبت خواطرنا وشفيت غليلنا وأديت أمانتك فينا.