كنتُ في إيطاليا قبل يومين ، وجدت في استقبالي سائقا أنيقا، في الطريق إلى الفندق ، مررنا بالحيّ العربي في مدينة تورينو، كنت قلت له بأني من المملكة العربية السعودية، لم يُبدِ تذمُّراَ، كانت الشرفات مليئة بأجهزة التقاط البث التلفزيوني والملابس المعرضة للتجفيف ، وكانت الشوارع مكتظة باللغة العربية، امتدح السائق بعض الجنسيات وذمّ أخرى ، ولن أفشي التفاصيل. في اليوم التالي جاءني السائق ذاته ، ومررنا بالحي العربي ذاته في الطريق إلى المطار، لم يزل السائق بكامل أناقته ، ولم يزل الحي عربياً. قال لي إنه رجل متديّن ولكنه قليل الذهاب إلى الكنيسة، لأنه ملّ ممّا يسميه ثرثرة الرهبان ، ولم أعلِّق ، واستمرّ في الحديث على الطريقة الإيطالية، قال إنه متسامح جداّ مع غير الإيطاليين ، وإن له أصدقاء يهودا ومن ديانات أخرى. سألته إن كان له أصدقاء عرب ، قال لا. سألته إن كان له أصدقاء مسلمون قال لا، ثم تذكّر بعد معاناة وبحث أن له صديقا اسمه أسعد. لكنه مولود في إيطاليا وله جذور تونسية ، قالها وكأنه انتصر على نفسه وعليّ ، سألته عن السعوديين والخليجيين في تورينو ، قال إنه يجد صعوبة في التفريق بينهم وبين الباكستانيين بحكم اللباس الذي ترتديه النساء من هذه البلدان. تذكرت بدوري صديقي أسعد التونسي ، الذي كان أكثرنا جدلا ووعيا في قاعات السوربون ، وانتهى به الأمر إلى إحدى المصحّات النفسيّة. عدتُ إلى باريس ، كانت تتحدث عن امرأة محجبة دخلت قاعة البرلمان الفرنسي، وتتحدث عن الهويّة الوطنية، كما حدّثني السائق الإيطالي عن صديقه أسعد. واليوم ، يوم العيد، سيهاتفني أكثر من أسعد، وسأستمتع بعبارتهم العجيبة " بون فيت لاعيد"عيداً سعيداً يا أسعد ويا كل القراء.