في آخر فصل الشتاء وبداية فصل الربيع، أخذت الشمس ترسل حرارتها بكل مكان، وتحث الجميع على العمل بنشاط. حتى المزروعات أخذت تحثها الشمس للنمو والولادة من داخل الأرض، كأنها كانت في فترة حمل خلال فصل الشتاء، وفي الربيع تكون الولادة لمعظم هذه النباتات الجميلة. أبو رمزي فلاح في مقتبل العمر، يعمل بهمة ونشاط، لا يعرف الكسل أبدا، لهذا قرر أبو رمزي في هذه الفترة الجميلة من السنة، أن يزرع قطعة أرضه بالقمح. تناول كيس البذور الذي يحبه، وضعه على كتفه وأخذ يبذر حبات القمح في كل مكان من قطعة الأرض. نامت حبات القمح في الأرض حالمة وهادئة، مثل الجنين داخل الرحم، وهذا لفترة بسيطة حتى تكسب قوتها من أمها الأرض، كي تكبر وتنمو عندما يأتي الصيف بمساعدة حرارة الشمس الدافئ. لقد خضعت حبات القمح هذه لقانون الطبيعة، إلا حبة واحدة، التي قررت أن تبقى نائمة في الأرض، محدثة نفسها، قائلة: «سوف أتعب في النمو والخروج من الأرض، وبعد ذلك ماذا سيحصل..؟!!» أخذت تفكر في نفسها، قائلة: «سوف أصبح حبة صفراء وعجوزا، تحرقني أشعة الشمس بحرارتها في شهر تموز..»، صمتت قليلا ثم تأففت متابعة بتفكيرها، قائلة: «بعد ذلك سوف تأتي الحاصدة تقص ساقي، ثم يأخذون حباتي إلى المطحنة، فأصبح طحينا ناعما بعد أن كنت حبة قوية صلبة.. وكل هذا من أجل من..!!؟ من أجل الإنسان الذي سيعجن هذا الطحين ويضعني داخل الفرن وأتحمل حرارة هذا الفرن، لأصبح رغيف خبز يأكلني الإنسان بشهية..». صمتت قليلا، ثم أخذت تبكي وتجفف دمعها، قائلة: «أنا أتحمل كل هذا العناء والتعب، حتى يأكلني الإنسان..لا..لا.. لن أخرج من باطن الأرض، سوف أنام وأرتاح من كل هذا العناء». هكذا بقيت حبة القمح نائمة داخل الأرض، سعيدة بأحلامها وأفكارها. مع حلول شهر تموز، جاءت الحاصدة وحصدت حبات القمح الناضجة، التي كانت سعيدة وفرحة لأنها أصبحت قادرة على تأدية واجبها الذي من أجله وجدت، وكم كانت سعيدة عندما دخلت إلى الفرن وتغير لونها إلى اللون الأحمر وأصبحت رغيف خبز شهيا يمتع الناظر إليه ويشعر بالسعادة والنشاط من يأكله. أما حبة القمح الكسولة النائمة، فبقيت داخل الأرض، إلى أن جاء أبو رمزي وحرث الأرض، فقلب التربة كي يحضرها لموسم الزراعة القادم، فأخرجت حبة القمح من الأرض، وعرضت تحت أشعة الشمس، عندها نهضت من سباتها العميق، نظرت حولها لتعرف أين هي موجودة.. لم تمض إلا لحظات بسيطة على وضعها هذا، حتى وجدت نفسها لقمة لذيذة بمناقير الطيور التي أخذت تتقاذفها من مكان إلى آخر، إلى أن تناولها الغراب، فبلعها لقمة لذيذة، وكم كان سعيدا بذلك.هكذا خسرت حبة القمح الكسولة الفائدة من حياتها، ولم تجد السعادة في حياتها، فعاشت في سبات طويل، وتقاذفتها الطيور فيما بينها، فحزنت كثيرا، وندمت على كسلها. مع تحيات المشرفة/ هيام المفلح