إن أي مواجهة مع الخطر هي مواجهة مع الموت لكن هنالك مواجهات فيها بطولة وشرف للرسالة التي تحملها وهنالك مواجهات لا عنوان لها سوى الاستهتار بأرواح الآخرين وسلامتهم. تلك المخاطر التي نكابدها في شوارع مدننا الواسعة و نجر عنوة ودون أي ذنب يذكر لويلاتها المفجعة وما يعقبها من إصابات مؤلمة أو إعاقات أو موت كيف يمكن أن نوقفها؟ إنه من الظلم لك أن يجرك استهتار وتهاون غيرك لتكون في مواجهة صعبة مع الموت ولو للحظات، تراهن فيها على بقائك أو مفارقتك لأحبابك لأهلك لأبنائك! تلك اللحظات عشتها ، وأنا أرى سيارة مسرعة تتلوى أمامي وتتسبب في حادث لأبرياء لا ذنب لهم أعاد لذهني حديثا قديما... منذ سنة تقريبا حكت لي إحدى الزميلات عن مشاعرها بعد أن عاشت لحظات رأت فيها معنى الموت ، سريعة مؤلمة وعميقة الأثر، وإلى الآن لم تنسها ولم تتخلص من تفاصيلها المؤلمة، بعد أن حماها الله واختار غيرها للموت لحكمة وحده يعلمها لكنها كانت بسبب تصرف أرعن من سائق مستهتر كان مسرعا يسابق إشارات المرور، ولم يكلف نفسه عناء التفكير في مغبة ما يمكن أن يسببه استعجاله أو سرعته من تدمير لحياة الآخرين. زميلتي تلك ثوان بسيطة أبعدتها عن خطر محقق بعد أن شاء الله لها أن تطلب من سائقها أن يناولها علبة المناديل لتمسح بها وجه ابنها الصغير الذي تلطخ بما كان يأكله، ليتأخر سائقها عن الانطلاق في مساره بسبب بحثه عن علبة المناديل المنقذة، وبعد أن أضاءت له إشارة المرور باللون الأخضر سبقه في الانطلاق السيارة التي تليه في المسار وكانت ممتلئة بالنساء والأطفال لتصطدم مع قاطع الإشارة الحمراء المسرع في حادث مروع ُأزهقت فيه أرواح بريئة كانت عائدة لتوها من نزهة مبهجة وتحلم بنوم هادئ تحقق لها لكن للأبد! في الحروب الضحايا بالألوف لكن في حوادث الطرق الضحايا بمئات الألوف. في برنامج كلام نواعم الذي يبث على قناة MBCاستضافت المذيعات المتألقات أبا وأما فقدا ابنا عزيزا عليهما في حادث مروري نتيجة استهتار وسرعة سائق قاتل فحولا محنتهما إلى قضية تمخضت عن حملة للتوعية بحوادث المرور. في ذلك اللقاء ذكر الأب أنه فكر بحملته بعد أن اطلع على إحصائية تثبت أن ضحايا حوادث المرور في بلده أكثر من ضحايا الحرب في الضفة الغربية! في فلسطينالمحتلة يقتل الأطفال والنساء والرجال ليسجلوا شهداء على قضية حقيقية. وفي شوارعنا يقتل النساء والأطفال والرجال لإشباع نشوة السرعة وإرضاء رغبة السائق المتهورة أو المستهترة إلا من حفظه الله وألهمه باحتياج سريع لعلبة مناديل منقذة. فمتى سننهي الحرب المهلكة التي نواجهها كل يوم في الشوارع والطرق السريعة مع السيارات المسرعة التي تتخاطفنا وتهدد أمننا وسلامتنا وبقاءنا لمن نحب؟.