التهاب البنكرياس الحاد مرض ليس بالنادر، يتفاوت في شدته من البسيط إلى ما قد يهدد حياة المريض. وتشير الإحصاءات إلى أن معظم الحالات تكون طفيفة إلى معتدلة، ولا تزداد حدة العوارض إلا لدى 20 % من الأشخاص المصابين. وللبنكرياس وظيفتان حيويتان، فهو يفرز هرمونات تنظم نسبة السكر في الدم (الانسولين والجلوكاجون)، ويفرز أيضا إنزيمات هضمية تحلل الطعام. وفي الحالات الطبيعية تنتقل تلك الأنزيمات إلى الأمعاء الرفيعة وتنشط هناك، أما عند التهاب البنكرياس الحاد فتتجمع بالبنكرياس الأنزيمات التي يفرزها وتنشط فيه مؤدية إلى تهيج أنسجته والتهابها. الأسباب: يطرأ التهاب البنكرياس الحاد لأسباب متنوعة، وفي بعض الحالات يبقى السبب مجهولاً. أكثر أسباب التهاب البنكرياس الحاد شيوعاً هي الحصى المرارية (التي تنحشر في القنوات البنكرياسية) وتعاطي الكحول وارتفاع نسبة الدهون الثلاثية بالدم. ومن الأسباب الأقل شيوعاً ما ينتج عن بعض العقاقير أو الأدوية، وبعد تعرض البطن إلى ضربة أو كدمة شديدة أو أي نوع من العمليات التشخيصية أو الجراحية أو قد بعد تنظير القنوات المرارية والبنكرياسية. كما يمكن ان تسببه بعض حالات العدوى الفيروسية، وفي حالات نادرة قد يولد شخص ما ولديه قناة بنكرياسية شاذة الشكل مما يمكن ان يؤدي الى حدوث التهاب البنكرياس الحاد، والذي قد يحدث أيضا نتيجة التهاب مناعي. والواقع أنه 10 % من حالات التهاب البنكرياس الحاد لا يتم الوصول إلى سبب محدد غير أن الباحثين والأطباء يشتبهون بأن بعض هذه النوبات قد تكون مرتبطة بحصى في المرارة بالغة الصغر بحيث تصعب رؤيتها. الأعراض: تستمر معظم النوبات الحادة لأيام قلائل، لكن النوبات الشديدة قد تستمر لفترة أطول. العرض الأهم هو حدوث ألم شديد مفاجئ في الجزء العلوي من البطن يكون مصحوباً في الغالب بالغثيان والقيء. في مرضى كثيرين يكون هذا الألم شديداً ومستمراً ويصل إلى الظهر ويقل في حدته عندما ينحني المريض للأمام كما أنه يزداد سوءاً بتناول الطعام، وفي الحالات الشديدة قد يصاب المريض بالجفاف وقلة في حركة الأمعاء، وقد ينخفض ضغط دمه بشدة، كما أنه قد يتعرض لهبوط متعدد بوظائف أعضاء (مثل القلب أو الرئتين أو الكليتين)، وإذا حدث نزيف أو تلوث فقد يصاب المريض بصدمة. ومن العوارض الأخرى ارتفاع الحرارة وصعوبة التنفس ورضات (بقع بلون الدم دموية) في البطن فوق منطقتي الكليتين وحول السرة. التشخيص: بالإضافة إلى أخذ التاريخ المرضي والفحص الإكلينيكي (السريري) يتم عمل تحاليل معملية وفحوص بالأشعات المختلفة (أشعة إكس، بالموجات فوق الصوتية أو الأشعة المقطعية) أولا للتأكد من التشخيص، وثانيا لتحديد شدة النوبة، وثالثا لمعرفة السبب، ورابعا للتحقق من حدوث أي مضاعفات من عدمه. وفي وقت حدوث النوبة المرضية يتم أخذ عينات من دم المريض لتحليلها وتقدير مستوى الإنزيمات البنكرياسية التي تنطلق إلى مجرى الدم، كما يتم عمل فحوص أخرى للمتابعة. هذه الإنزيمات هي الأميليز والليبيز وتعتبر زيادة الليبيز أكثر أهمية في التعرف على الالتهاب الحاد حيث إن الزيادة في إنزيم الأميليز تحدث في حالات أخرى. المضاعفات: النوبة الأولى من التهاب البنكرياس الحاد يتبعها غالباً شفاء كامل وفي حالات نادرة ان تؤدي الى مضاعفات شديدة، وتكرار هذه النوبات قد يسبب إلى التهاب بنكرياس مزمن وتليف البنكرياس ونقص إنتاج الانزيمات والهرمونات البنكرياسية. ومن المضاعات أيضا تكوّن أكياس كبيرة (أكياس كاذبة) تحتوي على إنزيمات هاضمة قد تؤدي لالتهاب البريتوني ونزيف داخلي وربما تحولت الأكياس إلى خراج داخلي إن تعرضت لتلوث بكتيري أو فطري. العلاج: يعتمد العلاج على شدة النوبة المرضية، ورغم أن الالتهاب البنكرياسي الحاد غالباً ما يُشفى من تلقاء نفسه، فإن المريض يتم إدخاله المستشفى. في الحالات البسيطة يتجه العلاج إلى تخفيف الألم بإعطاء مسكنات وتعويض ما ينقص من سوائل الجسم وأيضا الأملاح، وكذلك الحد من تناول أغذية بالفم وخاصة الدهون، مع الملاحظة الدقيقة لحين تحسن حالة المريض، وهو ما يسمى بالعلاج التحفظي. ونظرا لأن الحالات الشديدة معرضة لمضاعفات شديدة ونسبة وفيات عالية فإنها تحتاج إلى دخول وحدة العناية المركزة وعلاج المضاعفات وفي بعض الحالات إعطاء مضادات حيوية، وللمناظير دور هام خاصة في الحالات الناجمة عن الحصيات المرارية فقد يحتاج المريض الى شق القناة الصفراوية لإخراج الحصيات ويحتاج الأمر إلى استئصال المرارة في مرحلة لاحقة. وبشكل عام تتحسن حالات التهاب البنكرياس الطفيفة خلال 3-7 أيام بمقدور المريض بعدها أن يعاود الأكل والشرب، أما الحالات الشديدة فتستغرق وقتاً أطول. * قسم أمراض الكبد