على الرغم من أن ظاهرة انسحاب آلاف المستثمرين من الصناديق الاستثمارية قد بدأت منذ حوالي (4) سنوات (بعد فبراير 2006م) واستمرت بمعدلات كبيرة وفقا للإحصاءات الرسمية، إلا أن الملاحظ هو عدم إعطاء هذه الظاهرة الاهتمام المطلوب من "جهات حيادية" للتعرف على الأسباب الحقيقية لانسحاب المستثمرين من صناديق أُنشئت أساسا لتوفير فرص استثمارية آمنه لمدخرات المواطنين والمقيمين، فالمستثمرون بها خسروا معظم رؤوس أموالهم في الوقت الذي استأثرت فيه البنوك بالعمولات ومديرو الصناديق بالرواتب وعوض من استثمر بالسوق مباشرة بعض خسائره، والمؤسف أن يتهم بعض المسؤولين والمحللين المنسحبين من تلك الصناديق بقلة وعيهم الاستثماري بينما هم من كان لديه وعي استثماري وتوجهوا لتلك الصناديق منذ سنوات بدلا من دخول السوق، فانسحابهم لم يأت إلا بعد سنوات من فشل الصناديق في تصحيح أوضاعها، فخسائر السوق ليست وحدها السبب في انسحاب آلاف المستثمرين منها. لقد تحدث معظمنا عن حقيقة مايدور داخل تلك الصناديق وضعف الرقابة على تعاملاتها، ولذلك سأركز هنا على جانب مهم يتعلق بتنظيم علاقة المستثمر بالصندوق كأساس تعتمد عليه قاعدة الاستثمار التي يجب أن يعاد النظر بها لكي نحفز أصحاب الأموال على الاستثمار بتلك الصناديق وعبر الاستفادة من عوائد الاستثمار بشكل ملموس وعادل، فالمستثمر حاليا عند رغبته بدخول احد تلك الصناديق يقوم بشراء وحدات بسعر محدد وفقا لتقييم أصول الصندوق وقت الدخول والذي يتم تحديثه أسبوعيا حسب الأرباح او الخسائر ومن واقع تقييم المحفظة بالسعر السوقي، وعندما يرغب المستثمر بالانسحاب فإنه يبيع وحداته بسعر محدد وقت الانسحاب والفرق بين السعرين هو الربح او الخسارة التي يحققها المستثمر طوال مدة استثماره، أي لايستلم طوال مدة الاستثمار أية أرباح، ولتوضيح أثر ذلك على المستثمرين ولمعرفة السبب الرئيس لتلك الانسحابات فانه – على سبيل المثال - كان سعر الوحدة بأحد الصناديق في بداية 2005م حوالي ( 11) ريال ثم ارتفع السعر منتصف 2005م الى (20) ريال وبلغ قبيل انهيار فبراير 2006م (44) ريال وجميع من يدخل بالصندوق يقوم بشراء الوحدات بسعرها وقت الدخول، ويتضح هنا الأرباح التي اعتقد المستثمر منذ عام انه حققها استنادا لتقييم تلك الوحدات ولكنه في حقيقة الأمر لانه لم يقبضها فإنه خسرها، فمع الانهيار انخفض سعر الوحدة الى مستوى قارب سعرها في بداية عام 2005م بل إن بعض الوحدات انخفض سعرها الى اقل من قيمتها الاسمية، مع العلم بان الصناديق تستلم طوال تلك السنوات الأرباح الموزعة من الشركات المستثمرة بها وتستفيد من منح الأسهم ولم ينعكس ذلك على المستثمرين بالصناديق، فالبنوك تأخذ نسبة شهرية من قيمة أصول الصندوق وليس نسبة من أرباحه، علاوة على الرواتب والمكافآت، هنا ماذا استفاد المستثمر بالصندوق؟ ثم إذا علمنا أن صناديق الاستثمار ترتفع وتنخفض تبعا لحركة المؤشر والشركات القيادية، أليس من الأفضل للمستثمر – في ظل أنظمة الصناديق الحالية - أن يستثمر بشكل مباشر بالسوق في شركات رابحة ليستفيد من أرباحها الموزعة والمنح والاكتتابات عند رفع رؤوس أموالها؟ اعتقد أننا نرغب بسياساتنا دعم الاستثمار المؤسسي بالسوق ولكن في حقيقة الأمر نتائج أعمالنا تدعم الاستثمار الفردي. إنه في ظل ارتفاع عدد الصناديق الاستثمارية المرخص لها وحاجتنا الملحة الى إعادة الثقة بالصناديق الاستثمارية بخطوات عملية ودعم السوق بسيولة استثمارية تفشل خطط المضاربين، فإن هناك أهمية للإسراع في إعادة النظر في الوضع الحالي للصناديق الاستثمارية سواء التابعة للبنوك او الشركات وبالتركيز على الكيف وليس الكم وعبر استفادة المستثمر من عائد الاستثمار بها كل شهر او كل ربع مالي، وبحيث لانعتمد على تقييم الوحدة الذي يستفيد منه من يضارب بالصندوق دخولا وخروجا ويتسبب في اندفاع باقي المستثمرين للانسحاب وقت الأزمات وطلب تسييل الوحدات، فالمستثمر عندما يشعر بأنه قد قبض أرباحه نقدا حينما كان السوق مرتفعا وان له الحرية في زيادة قيمة الاستثمار او الاكتفاء بما لديه فانه سيشعر بأنه مستثمر بشركة متنوعة قليلة المخاطر تنمو وتوزع أرباحا مجزية، ولكن بدون تعديل التنظيم الحالي فإن المستثمرين لن يقبلوا على تلك الصناديق وستستمر كأحد أدوات المضاربات الخطيرة بالسوق.