ما زلتُ، وسأظل، متحفظاً على مقولة «أعذب الشعر أكذبه» فالشعر أحاسيس صادقة، ونبض إنسان أثقلته الهموم، وأنهكته الأوجاع، وفتّتت روحه المآسي إن على الصعيد الحياتي والمعيشي، وإن على صعيد نظرته للناس والحياة والأشياء، وإن على صعيد ما يراه من تخلف، وجهل، وانحطاطات فكرية، أو ممارسات اجتماعية، أو عجز عن تحقيق مكاسب رؤيوية، واستشرافية في صناعة وصياغة حياة الإنسان، وإن على صعيد - وهذا مهم - الخيبات العاطفية، والفشل القاتل في نضالات دائمة من أجل إقامة علائق حب، وتوحد روحي وفكري وإنساني قد لا نطاله، وإذا تأتّى للروح، والقلب فإنه يأتي من تراكمات خوف، ورعب، وأسى، وحزن حفرت في النفس شروخاً، ودماراً من الصعب ترميمهما. أعذب الشعر هو ما يأتي نتاج قلق، ودهشة، ومعاناة، وفهم مرهف بعذابات الإنسان، وقلقه على مصائره، ومستقبلاته، وهو - أيضاً - ما يأتي نتيجة تفاعل صادق مع الحب، والعشق كوسيلتيْ تطهير للروح والنفس من أدران الحياة الملوثة، والمشوهة في علائقها، وتفاصيلها، ودروبها. صدقاً، لا أتعاطف، وليس لدي الرغبة في التعاطف مع المقولة المشهورة، ولا أرى أي صدق فيها. «وإن أصدق بيت أنت قائله «بيت يقال إذا أنشدته «صدَقا» لنأخذ الشعراء الصعاليك، والشعراء العذريين، ولنأخذ بدر شاكر السيّاب، وعبدالحميد الديب، وعبدالمعين الملوحي، وعشرات من الشعراء الذين أخلصوا لفنهم، وصدقوا مع أنفسهم، والمجتمع، هؤلاء بالتأكيد ورثناهم شعراً سيظل متداولاً جيلاً بعد جيل. لأنه شعر صادق، وعذب. ولكي نؤكد أن «أعذب الشعر أصدقه» نستدعي المنخّل اليشكري. «ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير الكاعب الحسناء ترفل في الدمقس، وفي الحرير فدفعتها فتدافعت مشي القطاة إلى الغدير ولثمتها فتنفست، كتنفس الظبي الغرير فدنت وقالت: يا منخّل ما بجسمك من حرور؟ ما شف جسمي غير حبك، فاهدئي عني وسيري وأحبها، وتحبني، ويحب ناقتها بعيري. ولقد شربت من المدامة بالقليل وبالكثير فإذا انتشيت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير» إذن: أعذب الشعر أصدقه.!؟