تجلت وحدة الوجدان بين جمع من الباحثين والخبراء والمتخصصين من دول الخليج العربي خلال أيام دول مجلس التعاون التي نظمت في روما على مدى ثلاثة أيام الأسبوع الماضي. ومع أن كل مشارك كان مشغولاً بمواضيع محلية للدولة التي أتى للمشاركة باسمها ضمن المجموع الخليجي، إلا أن الصورة التي رسمها الجمهور الإيطالي المتابع - وجلهم من النخبة السياسية والاقتصادية والفئات عالية الثقافة والتأهيل العلمي - كانت عن كتلة جغرافية مهمة ومؤثرة حضارياً من العالم العربي. ومع التميز في التنظيم من جانب الأمانة العامة لمجلس التعاون والاهتمام والحفاوة البالغة من قبل المؤسسات الإيطالية الرسمية - مجلس الشيوخ ومجلس النواب ووزارة الخارجية - والعلمية كذلك، إلا أن الرسالة الإيطالية الواضحة اختزلت في أن إيطاليا دولة منتجة ومصنعة وأن بوسعها سد حاجة دول الخليج في العديد من المجالات الاستهلاكية. وفي المقابل دول الخليج - دول مجلس التعاون - لا تعدو كونها دولا مصدرة للنفط - عصب الطاقة في العالم - بينما تنتظر الرساميل الضخمة التي تجثم على صدور الخليجيين الفرج، عندما يقيض لها أن تهاجر إلى أوعية استثمارية خارج الحدود، في إيطاليا. قد يبدو ذلك تبسيطاً مخلاً لما عبر عنه الجانب الإيطالي في إحدى الجلسات المهمة التي خصصت للتعاون الاقتصادي وفرص الاستثمار، وقد يكون حقيقة يصعب تقبلها، وخصوصاً عندما يلاحظ أن صلب الرسالة التي تتخلل خطاب المشاركين من دول الخليج لم تكن مركزة بالشكل والكثافة المطلوبة، بحيث تتكرر ضمن مضامين متنوعة ومتعددة التخصصات. وإذا كان الحديث عن الشأن الوطني مطلوباً وواجباً فإن وضوح الرسالة يقتضي أن يكون هنالك بموازاة ذلك تركيز مماثل على المصالح الجماعية لدول الخليج. أعلم أن الأمانة العامة للمجلس - ممثلة في أمينها العام الأستاذ عبدالرحمن العطية - حريصة على ذلك، ولكن يبدو أن هنالك حاجة إلى جهد إضافي - جهد اتصالي - ليكون لدى المشاركين - وهم ثلة من الرجال والنساء الذين يحق لبلادهم أن تباهي بهم - فهمٌ مشتركٌ لما هو متوقع منهم - فيما يتعلق بالمصالح والتطلعات والهموم والمخاوف المشتركة - قبل بدء الفعاليات. ولكي لا يساء فهم المقصود، أرجو أن يكون مفهوماً أن المراد ليس التلقين أو الإيحاء الملزم، بل إن المراد هو أن يستثمر هذا الجهد الرائع الذي يصاحبه جهد تنظيمي مرهق من جانب الأمانة العامة لمجلس التعاون وسفارات دول المجلس لكي يؤتي أكلاً أفضل، أرى أنه مستحق. من جانب آخر، كان للتطرق لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حول الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وقع مؤثر في النفس، في الكلمات والمداخلات التي ألقتها نائبة رئيس مجلس الشيوخ السيدة أيما بونينو ورئيس البرلمان السيد جيانفرانكو فيني ووزير الخارجية السيد فرانكو فراتيني. ولم يكن التطرق إلى تلك المبادرة من باب الإشادة فقط، ولكنه أتى ضمن سياق الاستدلال بمثال حي وملموس على ما يبذل على المستوى الدولي لخدمة الإنسان وخيره. وفي السياق ذاته شدت انتباه المشاركين إشارات إلى اعتزام إيطاليا تدريس الإسلام في المدارس، وهي نية جوبهت بالرفض من قبل الفاتيكان خلال الأيام التي سبقت بدء أيام دول مجلس التعاون في روما. وقبل افتتاح تلك الأيام بيومين، صرح رئيس مجلس النواب السيد جيانفراكو فيني- وهو محسوب على اليمين الإيطالي- بأن هذا الاقتراح الذي تدعمه أوساط إيطالية عديدة "حكيم يصب في المصلحة الوطنية ...". وتكررت الإشارة إلى هذا التوجه في الكلمة المطولة التي ألقاها في الندوة التي عقدت في مبنى البرلمان ضمن ندوات أيام المجلس. وأعتقد أن حضوراً عربياً وإسلامياً مثل ذلك الذي جسدته أيام دول المجلس- بطبيعة هوية مجتمعات دول المجلس - كان فرصة ثمينة وسانحة أسهمت في تعريف الجانب الإيطالي - وبشكل مباشر - بتطلعات وهموم هذه المنطقة من العالم كما أسلفت، بواسطة عدد من باحثي دول المجلس وخبرائه. ولعل ذاكرة المرء لا تمر على تلك الأيام دون أن تسجل بارتياح ذلك الحضور الإيطالي المهم عددياً ونوعياً - الرسمي وغير الرسمي -، في وقت كان المرء يتخوف فيه من أن تكون الغلبة العددية في الحضور للجمهور الخليجي من المشاركين والدبلوماسيين والإعلاميين.