يشهد الأردن سنويا نحو (90 ) حالة ولادة لأطفال مجهولي النسب , ويستيقظ أهل الحي على صراخ طفل حديث الولادة قادما من حاوية القمامة , ليلتقطه أحدهم ويهرول به إلى مركز الشرطة ( ...) , أو يفاجىء إمام المسجد بالطفل اللقيط وهو "مسجى" يصرخ على عتبة المسجد. الأطفال مجهولو النسب ليسوا ظاهرة في الأردن, بل قضية مقلقة لمجتمع يعد محافظا مقارنة بمجتمعات اخرى , ويعزو أخصائيون بروز " القضية " في الأعوام الأخيرة لتزايد عدد ما يسمى بجرائم الشرف , إذ تلقى الفتاة حتفها في حال علم أهلها باقامة علاقة ". ويتراوح عدد جرائم الشرف سنويا في الأردن بين (18 – 20 ) جريمة. غالبية الأطفال مجهولي النسب يلتقطهم الأردنيون من "حاويات القمامة " , ونجحت السلطات في مرات معدودة بالاستدلال على والدي الطفل, وكشفت التحقيقات في هذه الجرائم أن :" الحكاية متشابهة إذ يتورط شاب وفتاة متحابان بعلاقة جنسية تتستر الأم غالبا عليها خشية قتل الفتاة على يد إخوانها ليكون مصير المولود حاوية القمامة ". وأفادت آخر دراسة رسمية أجرتها وزارة التنمية الاجتماعية أن عدد حالات الأطفال مجهولي النسب في الأردن عام 2007 بلغ 70 حالة, من بينهم 32 لقيطا (غير معروفي الأم والأب), و 35 حالة من الأطفال معروفي الأم ومجهولي الأب, إلى جانب 3 حالات من اللقطاء ضحايا سفاح ذوي القربى. وبينت مسؤولة الاحتضان في وزارة التنمية الاجتماعية هناء العتر أن: " الوزارة كانت تتحاشى التعامل بلفظة اللقيط ( ...) وتكتفي بتسميتهم غير معروفي النسب ". ومع تدني احتمال العثور على والدي مجهول النسب تبدأ رحلة عذاب هذا الطفل من معاملة سيئة لدى عائلات تقوم باحتضانه ( ....) , فالطفل مجهول النسب عليه أن ينتظر أياما وربما أسابيع ليحصل على شهادة ولادة ، فمنذ ولادة الطفل مجهول النسب يصدمه الواقع بأولى المشاكل التي سيواجهها في حياته مستقبلا، وهي أنه غير معروف الأب والأم . وتعود مشكلة وجود الأطفال مجهولي النسب في المجتمع الأردني بحسب أستاذ علم الاجتماع الدكتور "الخزاعي" إلى أسباب كثيرة منها "العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج في ظل عدم وجود رقابة من الأسر على الأبناء، ارتفاع نسبة العمالة الوافدة حيث لدينا (70) ألف خادمة و(500 ) ألف عامل وافد، إلى جانب غياب العقوبات الشرعية العادلة لمن يرتكب جريمة الزنا" . ويقول مدير مديرية الاسرة والطفولة في وزارة التنمية الاجتماعية محمد شبانة ان :" المحرومين من الرعاية الاسرية الطبيعية يصنفون في ثلاثة محاور: هي الأطفال مجهولو النسب (اللقطاء) وأطفال العلاقات الجنسية غير المشروعة بين المحارم (السفاح) وأطفال مجهولو الأب ومعروفو الأم (الناتجين عن العلاقات الجنسية غير المشروعة بين الأغراب). ويضيف إن : " إجراءات التعامل مع هؤلاء الأطفال تبدأ من حرصها على سلامة الطفل الجسدية والعقلية ، فمنذ اللحظة التي يتم تبليغ الوزارة من قبل الجهات الأمنية أو أي مصدر طبي (المستشفيات) عن العثور على طفل مجهول النسب ، تجرى للطفل فحوصات كاملة وشاملة تحسبا لأية أمراض ". وقال : " ثم يفتح ملف كامل للطفل يحمل كل المعلومات التي تخصه من تاريخ العثور عليه وتسميته اسما من أربعة مقاطع وبعدها يتم تسليمه لام خاصة تعتني به". وفيما يخص موضع الاحتضان من قبل عائلات قال شبانة :" يعطى الاسم الأول والثاني للأسرة الحاضنة في حين يبقى اسم الشهرة (العائلة) من حق الدولة ولكن ليس كل أسرة ترغب في حضانة طفل حديث الولادة تلاقي مرادها فهناك شروط وضعتها المؤسسة يجب توافرها في الأسر الحاضنة وتتمثل في إثبات أهليتها الصحية والعقلية لرعاية الطفل وعدم القدرة على الإنجاب ( ...) . وفي حال لم يحظ الطفل بفرصة احتضان فهناك مؤسسات مخصصة للأطفال ومصنفة حسب الجنس والعمر وذلك بعد السادسة من عمرهم حيث يتم توزيع الأطفال على هذه المؤسسات وإلحاقهم بالمدارس ومتابعة أمور حياتهم اليومية. ويوجد 31 مؤسسة لرعاية الأطفال منها 4 حكومية و27 تابعة للقطاع الأهلي التطوعي . وتقوم وزارة التنمية الاجتماعية بالإشراف على الأطفال حتى يبلغوا ال 18 في حين ان من يخفق في التعليم الأكاديمي يتم تعليمه وتدريبه مهنيا وبعدها يصار إلى إلحاقه بفرصة عمل". وبعد تخطي هذه المراحل ، تقوم وزارة التنمية بمساعدة من أراد من الذكور الزواج وأصبح وضعه يؤهله للاستقلال بحياته ، على نفقات الزواج وتأثيث المنزل. وبالنسبة للإناث اللواتي ما زلن ملتزمات مع المؤسسات التابعة للوزارة فتقوم المؤسسة بدراسة أوضاع وأهلية من يتقدم لخطبة إحداهن ، وفي حال التثبت من سلامة هذا الطلب وعدم وجود أي شبهة استغلال، يتم الاتفاق مع الخاطب على شروط الفتاة وبعدها تقام مراسيم الزواج. ويؤكد استاذ الشريعة الاسلامية الدكتور عبد الحميد المجالي بأن "اللقيط لا ذنب له في حالة الشذوذ والانحراف " . وشدد على أنه :" لا يجوز اجهاضه وهو جنين بل لا بد من رعايته " . وحصول الطفل مجهول النسب على اسم له ولوالديه حق كفله من قانون الأحوال المدنية الأردني لسنة 2001، والتي جاء فيها "اختيار أسماء منتحلة مناسبة للمولود ووالديه". وتفسر المحامية تغريد جبر عضو اللجنة الوطنية لشؤون المرأة عبارة (أسماء منتحلة) بقولها "يتم اختيار اسم عائلة غير أردنية للطفل، أو اختيار اسم مختلف عن أسماء العائلات الأردنية المتداولة". وتعزو ذلك "للأسباب الدينية، وعلى رأسها الخوف من اختلاط الأنساب والاختلاف على الميراث"، وترى جبر أن: " هذه المبررات الدينية مفهومة". وبحصول الطفل مجهول النسب على شهادة ولادة ولاحقا على جواز سفر، فهذا يعني أنه أصبح مواطنا أردنيا يتمتع بالجنسية الأردنية، فالحصول على الجنسية حق لكافة الأردنيين وفق قانون الجنسية الأردني إذ "يعتبر أردني الجنسية من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من والدين مجهولين، ويعتبر اللقيط في المملكة مولودا فيها ما لم يثبت العكس"، ويحسب لهذه المادة أنها أشارت إلى مجهولي النسب بشكل صريح ومنحتهم الجنسية كما الأطفال الشرعيين. وفي ضوء التشريعات والقوانين الأردنية الحالية فلا يتمتع مجهول النسب بحق إقرار نسبه إلى والديه كونهم مجهولين، أو في حال إنكار الأب لطفله رغم اعتراف الأم. ويؤكد المفتي الدكتور باسل الخطيب "أن الطفل مجهول النسب من الممكن أن ينسب لأمه، فهي ترث منه ويرث منها". ووسط مطالبات بتعديل القوانين بالسماح للأم بنسب الطفل إليها، فالتشريعات الأردنية كذلك لا تمنح مجهول النسب حق ثبوت نسبه لوالديه كما الأطفال الشرعيين إلا بشروط . واللافت أن الأطفال مجهولي النسب تطاردهم وصمة " العار " الاجتماعية في الأردن حتى لو حصلوا على درجات علمية متقدمة , إذ ترفض العشائر الأردنية الارتباط معهم بعلاقات نسب حتى لو كبروا في إطار عائلات عريقة . ليبقى واقعهم مؤلما في ظل مجتمع عشائري لا ينسى تاريخ اللقيط الذي يعيش غالبية حياته معزولا عن المجتمع .