نبدأ التحقيق بالقصة التالية: قالت: تأخرت كثيرا في الزواج حتى يئست من أن أصبح زوجة و تساءلت دوما إن كان سيوجد على وجه الأرض من يقبل الزواج بي، لاسيما وأن الصغيرات يملأن الدنيا.. ولكن حدثت المعجزة و تقدم لي رجل متزوج ولديه أولاد.. و رغم أنها مديرة لإحدى القطاعات النسائية الهامة، إلا أنها فشلت منذ البداية في إدارة حياتها الجديدة بدون الخضوع للابتزاز العاطفي الذي حولها تدريجيا إلى ممول أساسي لحياة زوجها، تقول: بعد شهر واحد من زواجنا جاءني مهموما، وقال إن زوجته الأولى تريد أن تأخذ الأولاد و تتركه عندما علمت بأمر زواجه مني، واخبرني انه قد يضطر إلى تركي رغم انه يحبني لأنه لا يستطيع الاستغناء عن أولاده، وعندها تألمت كثيرا لهذه الفكرة واقترحت عليه أن يسترضيها بما تحب حتى تهدأ وتقتنع، فاخبرني انها تريد بيتا وانه لايملك ثمنه، فتطوعت بالمشاركة في شراء هذا البيت حفاظا على حياته وبالتالي حياتي معه!. تقول:ومنذ ذلك الوقت لم يعد الأمر يتطلب حججاً لكي يستنزفني، فقد أصبحت فجأة المسئولة عن النفقات في بيتي وبيته الثاني، وتوليت تسديد الفواتير والأقساط البنكية، إلى جانب تقديم الحلول لمشاكله التي تتطلب المال لحلها. و تختتم المديرة حديثها قائلة:اعرف انه ابتزاز صريح مقابل أن أظل متزوجة لكني اقبل به على "مضض" حتى لا أعود مجددا إلى حياة العنوسة والوحدة. هل يحدث معكم مثل هذا الموقف؟، ولماذا هذا الابتزاز للعواطف مقابل الحصول على المال؟. تصريف مصالح! وتعطينا السيدة روضة درسا كاملا في الابتزاز ولكن بطريقة عكسية، وتقول:"اعتدت كلما أردت أمرا من زوجي مثل الزيارة أو السفر أو هدية ما أن اخطط كثيراً لتحقيقه، وابدأ أولا في تحين أي خطأ منه، ثم ابدأ في الحديث عن هذا الخطأ و تدريجيا أضع طلبي أو أمنيتي داخل الحديث حتى لا تنتهي الحادثة إلا وقد تحقق طلبي". وروضة تضرب لنا مثلا قريبا عندما أرادت بشدة كما تقول أن تأكل في احد المطاعم الفاخرة بالرياض وهو أمرلا ينفذه لها زوجها بسهولة بحجة أن الميزانية لا تسمح، تقول: ذات ليلة قبل أن يغادر المنزل مساء متوجها إلى أصدقائه كعادته أظهرت له أني أتألم وعندما اهتم و أراد اخذي للطبيب قلت إني بخير ودعوته أن يذهب و يتركني ولا يضيع سهرته بسببي، وبالفعل غادر ولكنه عندما عاد كان حالي غير ما تركني فقد أظهرت له أن الألم قد فاق كل الحدود وكنت ابكي من شدة الألم، فأخذني للمستشفى حيث طلب الطبيب عمل الكثير من التحاليل ليعرف علتي بعد ذلك وفي طريق العودة ولمدة يومين كنت ألومه على تركه لي وأنا مريضة من اجل أصدقائه وأضفت للحديث تدريجيا أمنيتي التي كانت بالنسبة لزوجي طوق النجاة من اللوم فبادر فورا بأخذي للمطعم و قدم لي هدية استرضاء أيضا! وليس الأمر مقصورا على النساء بل أن بعض الأزواج يلجأون إلى "تصريف الحال" مع زوجاتهم أيضا بنفس الطريقة وإن لم يكن بنفس الذكاء، فالرجل بطبعه واضح ولايحسن الالتفافات المبالغ فيها.. بهذا الاستهلال يبدأ السيد طارق رجل الأعمال حديثه معنا ويضيف:" ليس خوفا من زوجتي ولكن مراعاة لمشاعرها واجتنابا لأسبوع نكد يزيد يوما أو يقل ألجأ أحيانا لهذه التصريفات، فمثلا لي أخت تعيش في فرنسا مع زوجها وأردت أن أزورها في العيد الماضي قبل أن اخبر زوجتي برغبتي كنت قد عرضت عليها أمرا تحبه جدا وهو تمضية أيام العيد مع أهلها في الجنوب، واشتريت لها التذاكر وبعض الهدايا وأعطيتها مصروفا محترما وحين سألتني عن كيفية قضاء العيد وحدي قلت لها سأقضيه في العمل و ربما أسافر إلى فرنسا فرحبت بشدة وأعطتني محاضرة في صلة الرحم! "كل يأخذ راحته"! د. احمد الحريري المعالج النفسي والباحث في الشئون النفسية و الاجتماعية يشاركنا مناقشة القضية و لكن من وجهة نظر نفسية، ويبدأنا بأن لديه في عيادته كثير من المرضى الذين جاءوا بشكوى استغلال الطرف الثاني لهم والفقر العاطفي الذي أصبح سمة سائدة في البيوت التي تقدم تصريفات مادية عوضا عن المبادرات العاطفية والتفاهم المشترك، ويقول: ردم الفجوة العاطفية بين الأزواج عن طريق المادة يعد احدى الوسائل والأساليب التي يستخدمها الأزواج غالبا لتعويض كثير من جوانب القصور العاطفي والاهتمام المنزلي، وكثيرا ما شاهدنا بعض الأزواج يحاولون استرضاء زوجاتهم من خلال تقديم الهدايا والعطايا، وعندما يسأل هذا الزوج يقول بكل بساطة (أنا ماني مقصر مع أهلي)، بينما الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع أن العطاء الحقيقي يكمن في تبادل القيم الأخلاقية النبيلة مثل المحبة والاهتمام والرعاية والوفاء والإخلاص وما إلى ذلك. وحول بعض مظاهر التعويض المادي عن العاطفة في العلاقات الزوجية يقول الدكتور الحريري "من مظاهر التعويض المادي التي قد يعمد لها بعض الأزواج الهدايا العينية كتذاكر السفر والصرف أثناء السفر وتوفير الخادمات والسائقين والسيارات، مما يجعل بعض الزوجات يجدن في هذا الأسلوب فرصة كبيرة للحصول على أشياء لم يكن سيحصلن عليها بغير هذه الطريقة و كثير منهن تقول" هو يأخذ راحته وأنا آخذ راحتي"، وفي المحصلة نتعامل هنا مع أسرة متصدعة ضحيتها الأبناء والبنات لأن قاعدة "كل يأخذ راحته" سوف تصبح إحدى القيم المنزلية التي تساعد على تفكك الاسرة وإنجاب أجيال من الأبناء و البنات لا تتحمل مسئولياتها الزوجية فيما بعد، أو بالأحرى إنجاب أطفال يتامى معنوياً، ليس هذا فحسب بل انه قد يختفي خلف هذا الأسلوب من التعامل تحول الحياة العائلية والأسرية إلى حياة مادية كل شيء فيها لا قيمة له بدون المادة وتفتقد الاسرة فيها إلى مقومات الاستمرار والبقاء كأسرة مسلمة طبيعية فتبدأ قصص جنوح الأبناء وتمردهم و قصص خيانات الأزواج والزوجات وربما تكون الاسرة للأسف بهذا الوضع فرصة كبيرة لدخول أطراف جديدة من خارج الاسرة تحاول الابتزاز واستغلال المواقف.