كتبت عدة مرات منوهاً بالنمو الاقتصادي المتسارع في الصين، الذي تجاوز معدلات النمو في معظم الدول الأخرى، واستطاعت الصين خلال فترة وجيزة أن تبزّ أكبر اقتصادات العالم متجاوزة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا خلال سنوات معدودة، وربما تجاوزت اليابان قبل نهاية هذا العام لتصبح ثاني اقتصاد بعد الولاياتالمتحدة. ولكن ثمن هذا النمو الاقتصادي السريع ربما أتى باهظاَ فيما يتعلق بالبيئة وصحة المواطنين، إذ وصلت درجة التلوث في بعض مناطق الصين إلى مستويات مقلقة، وارتفعت نسبة الإصابة بالسرطان بشكل غير مسبوق. وتشير تقارير المنظمات الدولية المهتمة بالصحة والبيئة، والتقارير الصينية نفسها، إلى أن التلوث في التربة والأنهار والمياه الجوفية في بعض مناطق الصين بلغ درجة تُرى بالعين المجردة، فنهر Hegushi ، أحد أكبر أنهار مقاطعة Quandong أو كانتون كما كانت تُعرف، أصبح متلوثاً بالمخلفات الصناعية بحيث تغير لونه، وأصبح ماؤه لزجاً، وماتت جميع أنواع الحياة فيه، وأصبح ينقل معه الأمراض المستعصية للمدن والقرى والبحيرات التي تعتمد عليه، بعد أن أصبح النهر مكاناً ترمي فيه الشركات الكيميائية وشركات الإلكترونيات مخلفاتها. وأصبحت هذه البلدات والقرى تُعرف بمدن السرطان أو قرى الموت، نظراً إلى ارتفاع نسبة الوفيات المبكرة فيها بسبب السرطان، بما في ذلك الأطفال. وتعزو منظمة الصحة العالمية زيادة انتشار أمراض السرطان التي تصيب الجهاز الهضمي إلى زيادة الملوثات البيئية في الماء والتربة. ولم يعد الأمر مقتصراً على مياه الأنهار في بعض مناطق الصين، بل شمل الهواء، ومياه الآبار والبحيرات، والتربة، بحيث أصبحت المواد الغذائية المزورعة في هذه المناطق ملوثة بالمواد المسرطنة. وانتشرت فيها أنواع من السرطان لم تكن معروفة. ووفقاً لبعض الصحف الصينية، ارتفعت معدلات الإصابة بالسرطان في المدن بنسبة 19%، وفي القرى 23% في بعض السنوات. وأصبح علاج السرطان يستأثر بنسبة 20% من إجمالي التكلفة الصحية في الصين. ووفقاً لدراسة نشرتها مجلة Lancet الطبية البريطانية المعروفة العام الماضي، أصبحت فاتورة العلاج للأسرة الصينية تشكل حوالي 50% من إجمالي ميزانيتها. وقدر البنك الدولي منذ سنتين أن حوالي 460 ألف شخصاً يموتون في الصين كل عام ضحايا لتلوث الماء والهواء. وتقدر بعض التقارير أن هناك مئات، إن لم يكن آلاف، من القرى والبلدات الصينية التي أصبحت ملوثة نتيجة التوسع الصناعي السريع الذي لا يصحبه نظم موازية كافية للتخلص من النفايات الصناعية بشكل صحيح. وإلى أن تتمكن الصين من معالجة هذا التلوث فإن الحذر مطلوب قبل استهلاك المواد الغذائية الواردة من الصين، والتأكد من أنها خضعت لفحوصات دقيقة للتأكد من سلامتها من المواد المسرطنة وغيرها.