في عام ما وبعد مغرب يوم مضى اصطحبني سبعة أطفال معهم إلى بحيرة لهو ولعب على كورنيش جدة في أول مناورة عائلية يختبرون فيها سلطتي ومدى تطبيقي روح الديمقراطية التي أدعيها بين أطفالي... وتجربتي تتيح لي إمكانية التعامل مع طفلين أو ثلاثة .... وإنما سبعة أطفال !! أربعة منهم ليسوا لي ولا أعرف مدى تأثير دمجهم مع أطفالي في مكان عام..ثم من الذي يريد أن يغامر ليعرف ؟ جاءوا بعد العصر واصطفوا أمامي كأنهم في مجموعة مدرسية مستعدة للحركة فورا وقالوا في صوت واحد " نريد أن نذهب للملاهي "، تشاغلت عنهم..فجاءتني كلمات حلوة تتوسل بأصوات عذبة مثل " أرجوك ..من فضلك..الله يخليكي .." ووافقت . قبل الخروج قلت لهم شروطي : "لا ألعاب مائية ... الدنيا تراها برد وممنوع أكل الآيسكريم في هذا الجو ( كان العيد في وقت الشتاء أي ربيع يميل للبرودة في المدينة الساحلية ) ..مفهوم "؟ قالوا مطيعين " مفهوم..أكيد..ما نبغى الآيسكريم " ، ولزيادة طمأنينتي أكدت صغيرتي وهي تؤشر بيدها بحركة جادة وتميل برأسها كي تؤثر فيّ " والله ..والله ما بنسوي مشكلة ." يا زين كلمات الكبار على ألسنة الصغار. كانوا أربع بنات صغار وثلاثة من الأولاد. قال ابني سنأخذ دادتين واحدة للبنات والثانية تجلس معك ..." مشكور. " وإحنا " يقصد هو وابن عمه وصديقه – أكبرهم لا يتجاوز الثانية عشرة – " سننتبه لأنفسنا، سنلعب في غرفة الألعاب ما عليك منا " وأضاف ابن عمه مشجعا " تستطيعين أن تأخذي دفاترك معك وتكتبي هناك " جزاهم الله خيرا يفكرون بي. وتنطلق سيارتان تحملانا إلى بحيرة الألعاب..الجو ربيعي رائع وشوارع المدينة بالرغم من زحامها في نهاية الأسبوع تبدو أليفة ، تستوعب أبواق السيارات وضحكات الصغار وصخبهم ...خوفهم من ضياع السيارة الاخرى " سائقها دائما يضيع "وتساؤلاتي الصامتة : كيف أقنعوني بهذه المغامرة ؟ كم من الوقت سنبقى وهل سنعود للبيت قبل التاسعة كما قررنا؟ بعد أقل من نصف ساعة في المتنزه عاتبتُ نفسي على مخاوفي ، فمشاهدة فرح الصغار باللعب كانت متعة بحد ذاتها لا يضاهيها شيء. كانوا يضحكون بانطلاق عفوي غامر يركضون نحوي بعد كل لعبة يجذبون انتباهي ومرحي معهم دون كلل: هل ترين هذا أو ذاك..شفتيني ؟ وممكن ألعب ثانية ...من فضلك ماما..خالة..طيب ؟؟ وامتد وقت اللعب كما امتدت مساحة الفرح وسرت العدوى إلي أيضا فضحكت ولهوت معهم ، تركت أوراقي ومحاولاتي وتساؤلاتي وصرت أتأمل تلك العواطف الطفولية المنهمرة ..الانفعالات الجميلة وهي تخطو نحو رفقائها في لهفة ممتعة وتشكل لوحة طفولية كما نحب أن نراها فهي كما يقول لنا العلم والتجربة ليست طاقة نفسية عابرة أو مهدرة لأن عواطف وانفعالات الإنسان هي الحياة ذاتها تنشط وتدفع بالسلوك وتجمل الحياة لمرونتها وتنوعها ، وكيف أن رسم لوحة رائعة أو تحويل قطعة من الرخام أو الحجر إلى شكل جمالي وكل انجاز فني بديع إنما هو من وحي الانفعالات وليس الفكر . فهؤلاء الأطفال بحاجتهم للتعبير عن أنفسهم باللعب والانتعاش يقدمون لنا نحن الكبار متعة المشاركة والعودة وجدانيا إلى أجواء طفولتنا فنرى كل الصور حولنا أنقى وأجمل . وفي النهاية أعترف بأن النزهة نجحت بمقياس الأطفال وتوقعاتي في كل شيء ماعدا شيئاً واحداً. أصروا على الآيسكريم وفشلت في فرض شروطي وعدنا للبيت متأخرين .