كلما سافرتُ للخارج تأكد لي أن اللغة الانجليزية لم تعد ملكاً للانجليز لسببين رئيسيين : الأول : أن شعوب الأرض اتفقت على تبنيها (وتحويرها) كلغة عالمية مشتركة .. والثاني: أن عدد كلماتها وصل حاليا إلى مليون كلمة (أكثر من ثلثها) مقتبس من لغات أجنبية مختلفة .. وما لفت انتباهي هو وصول مفردات اللغة الانجليزية إلى العدد مليون في يونيو الماضي (وتحديدا يوم الأربعاء 10 يونيو 2009 ).. فوفقاً لموقع مراقبة اللغة على الإنترنت يعتقد أن كلمات اللغة الإنجليزية وصلت إلى 999,985 كلمة قبل أن يضاف إليها كلمة Obamamania كتعبير عن حالة الحماس والهوس التي رافقت انتخاب الرئيس باراك أوباما . ورغم تشكيك بعض اللغويون في هذا الرقم إلا أن أيا منهم لم يشكك في حقيقة أن اللغة الانجليزية أصبحت ليس فقط أكثر لغات العالم انتشارا بل وأكثرها ثراء بالكلمات والمفردات الحديثة .. فرغم صعوبة الجزم بعدد الكلمات في أي لغة (بسبب اختلاف الآراء فيما يتعلق بالاشتقاقات والجذور والاقتباس من اللغات أخرى) إلا أن قاموس أكسفورد المرجع الأول في اللغة الانجليزية يشير الى وجود 600 ألف مفردة أصيلة غير التراكيب اللفظية والمصطلحات العلمية والتقنية.. وفي حال صحت تقارير الحكومة الصينية تأتي لغة الماندرين الصينية في المرتبة الثانية بعد الإنجليزية في مجمل مفرداتها التي تصل إلى 450 ألف كلمة... وأعتقد شخصيا أن السبب الحقيقي لغزارة اللغة الانجليزية يعود لعدة حقائق أبرزها : أنها أعظم اللغات من حيث الانتشار الجغرافي ، وأكثرها انفتاحا واقتباسا من اللغات الأجنبية ، ناهيك عن تبنيها كلغة أولى من قبل المنظمات والهيئات الدولية المتخصصة .. فاللغة الإنجليزية مثلا يتم التحدث بها في 35 بلدا كلغة وطنية أولى، وأكثر من 140 بلدا كلغة ثانية، وتتبناها 31 حكومة عالمية كلغة رسمية .. وفي الصين وحدها يتجاوز عدد المتحدثين بها مجمل سكان أمريكا وبحلول عام 2050 ستتجاوز أعدادهم سكان أمريكا وبريطانيا واستراليا مجتمعين .. ومثل هذا الانتشار الواسع يسمح لشعوب العالم المختلفة بالمشاركة بها وإثراء مفرداتها بطريقة يعجز عن متابعتها حتى الانجليز أنفسهم (وبالتالي يمكن القول إنها في طريقها للتفرع لعدة لغات انجليزية ذات نكهة محلية خاصة) !! أضف لهذا أن الانجليزية من أكثر اللغات اقتباسا وانفتاحا على اللغات الأجنبية كونها لم تعد ترتبط بحكومة معينة أو ثقافة متحسسة (كاللغة الفرنسية أو العربية مثلا) .. فقد استعارت مثلا كلمة انتفاضة من الفلسطينيين (وتعني ثورة الصغار) وكلمة سفاري من تنزانيا (بمعنى رحلة صيد) وبونساي من اليابان (بمعنى تشكيل النباتات) وجلاسنوت من الروسية (بمعنى سياسة الانفتاح) ... أضف لهذا حقيقة تبنيها كلغة أولى من قبل المنظمات والأوساط العلمية والعالمية وتحولها إلى لغة المؤتمرات الأولى في العالم.. وهذه الميزة منحتها مسؤولية خلق تراكيب جديدة ومصطلحات متخصصة (مثل ليزر وإيدز وجات ووادي السيلكون) أصبحت توازي في عددها الكلمات الأصلية نفسها وهي ميزة لم تتوفر للغات العربية والصينية والبنغالية مثلا رغم ثرائها بالمفردات الكلاسيكية الأصيلة !! ... وقبل أن يتهمني أحد بالتحيز ويذكّرني بقصيدة حافظ إبراهيم : (أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامنٌ فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي) أذكركم ونفسي بأن القضية أعظم وأعمق من أن نأخذها على محمل شخصي .. فاللغة مرآة لأي أمة ومقياس لمساهمتها في الإبداع العلمي والأدبي ناهيك عن ثقلها على المستويين العالمي والسياسي .. وبما أننا توقفنا عن ريادة العالم منذ قرون فلا يجب أن نستغرب من نمو وانتشار لغات أجنبية أخرى تولى أبناؤها قيادة العالم وريادة أوجه الإبداع فيه وأصبح من مصلحتنا إتقانها والتقاط الدر من صدفاتها ...