الإنسان ابن بيئته، نتاج مجتمعه، صورة لثقافته. والإنسان بشكل عام يولد ومعه قدراته، وعنده استعداداته الذهنية والفكرية والعقلية، ويشبّ متأثراً بالبيئة الاجتماعية التي تحتضنه، والفضاءات الفكرية التي يستوحي منها مساراته وممارساته وأحلامه وطموحاته، فإما أن تكون البيئة متحجرة متخلفة متكهفة بليدة فتؤثر في فهمه ووعيه وتطلعاته، وتساهم في تكوين عقل يعلوه الصدأ، ويغلفه التحجر والبلادة ، وإما أن يفتح المجتمع له الآفاق الرحبة والواسعة من حرية التفكير والعمل، والخلق والإبداع فيقدم هذا العقل كل منجز حضاري وإبداعي وتنويري. لدينا عقول، نعم. لدينا إنسان عقل. صحيح. المشكلة، أو الكارثة أننا مجتمع أحمق. نتسابق نحو الربح السريع دونما إرادة أو رغبة في امتلاك أدوات المعرفة، والتدريب، وتحفيز العقل على العمل، والإنتاج واكتساب المهارات، وفعل التطور والتطوير، وهذا ما يحبط الكثير من العقول الاستثنائية، وربما يلغيها من خلال هذا السلوك، وعبر ثقافة أحادية شمولية منمطة ومقوننة تعمل على أن يسير كل أفراد المجتمع بكل فئاته، وأطيافه، وشرائحه على أنماطها، ومفاهيمها، وانغلاقها. لا أرغب في الاسترسال. دعوني أفتح قوساً للخبر الذي شدّني، وكنت آمل أن يأخذ عناوين رئيسية على الصفحات الأولى من مطبوعاتنا المكتوبة، وأن يحظى باحتفائية واحتفالية من المجتمع، ومن الإعلام، ومن كل مشتغل بالهمّ الوطني. يقول الخبر: «.. ظهر اسم العالمة السعودية غادة المطيري على لائحة المخترعين الجدد في أميركا، بعد أن نالت أرفع جائزة للبحث العلمي في أميركا على اختراعها الجديد الذي قد يحل محل العمليات الجراحية. والمطيري سعودية في الثلاثينيات من عمرها تترأس (لاحظوا تترأس) مركز أبحاث بجامعة كالفورنيا في سان دييغو، وحازت غادة المطيري - أيضاً - على ثلاثة ملايين دولار أميركي ، والمبلغ يخصص لمتابعة البحوث في الجامعة حيث ستعمل على تطوير اكتشافها الذي يرقى إلى تغيير جذري في وسائل التطبيب..» هذا هو العقل السعودي إذا وجد المناخات. وهذه هي المرأة السعودية التي لا يزال صوتها عورة في المجتمع . فهل نعقل..؟؟