اشتهر بعض الساسة العرب بالبراعة في تضليل الناس بالخطب الرنانة المُلتهبة حتى وهم في أحلك الظروف وأصعبها يجدون المخارج عن طريق الكلام والوعود التي تتبخر حالما تبرد عواطف الجماهير .. ومن يقرأ التاريخ العربي القريب يعرف معنى دفن القضايا بالكلمات وتشييعها إلى مجاهل النسيان بالخُطب والمُفردات المعسولة فمن ينسى حكاية (النكسة) وسحر (أُم المعارك) ومراوغة ( العمل العربي المُشترك) وغيرها من التعابير التي لا توصل إلى حقيقة من أيّ نوع بل هُم كمن يبيع الهواء على أهل الكفوف المفتوحة..! " أتُريد التخلّص من الحقيقة ، اخنقها بالكلمات " قالها الشاعر والفيلسوف الألماني العظيم غوته (1749-1832) حيث أسس بهذه الحكمة (دون قصد) منهجاً تبناه البعض كفلسفة في الحياة ، وأكثر من يحترف خنق الحقائق بالكلمات في عالمنا العربي والمحليّ بالذات هم رجال العلاقات العامة إذ يعتقدون أن بإمكانهم عن طريق البيانات والتصريحات المُطعّمة بالمفردات والكلمات الفخمة إقناع الناس وقلب الحقائق وتهدئة الخواطر وحرف مسار القضايا لصالح أجهزتهم رغم التقصير والاخطاء الفادحة. لا أدري من الذي غرس في مفهوم رجال العلاقات العامة في الهيئات والمؤسسات الحكومية أن دورهم يتركز في بلاغة البيانات النافية للأحداث ، ثم تجميل صورة المسؤول وتركيز الاعلام على أخباره الشخصية وتشريفاته ونشر صوره في كل الأوضاع وإعطائه هالة من التفخيم وفرادة الانجاز، وحين يبحث الناس عن الحقيقة لا يقبضون غير كلام في كلام ، ووعود سرابية لا تتحقق ولا في الأحلام ، مع أن دور العلاقات العامة بما فيهم ما يُسمى ب( الناطق الرسمي) هو نقل الوقائع كما هي وتبيان الحقائق دون تزويق أو تهويل أو مبالغة. أقول لأحبابنا وإخواننا المسؤولين في الهيئات والمؤسسات الرسمية أن الزمن قد تغيّر ولن تستطيع أعتى الخُطب وأزهى الكلمات خنق الحقائق فنعمة وسائل الاتصال وعلى رأسها (الانترنت) قادرة على كشف المستور فالله الله بقول الحقيقة ولو كانت مُرّة.