"هيلة المنفجعة" التي تعلو وجهها علاماتُ الدهشة الدائمة، يمكننا أن نطلق عليها سيدة اللحظات الأخيرة، ففي سنوات الدراسة لم تكن تفتح الكتاب إلا قبل الامتحان بيوم، وحين التزامها بموعد فإنها لا ترتدي عباءتها إلا قبل الموعد بعشر دقائق فهي تحب أن تكون آخر من يصل لأي حفلة أو تجمع للصديقات أو الجارات، ولديها عقدة من الوقت ولا تحب أن تنظر للساعة. وانعكس هذا على حياتها، فهي تشتري أغراض أبنائها المدرسية قبل بدء الدراسة بيوم، وتجهز للسفر قبل إقلاع الطائرة بساعات. وهي ليس لديها مشكلة مع نمط حياتها غير المنظم أو اللحظوي. لكنها تحب التذمر كثيرا، فهي تتذمر عند بدء الدراسة وكيف أنها لا تملك الوقت لتجيز الأبناء وشراء مستلزماتهم؟ وتتذمر أكثر عند بدء الإجازة الصيفية وكيف أنها غير مستعدة لهجرة الابناء العكسية إلى المنزل، رغم أن مواعيد بدء الدراسة وانتهائها واضحة ومدونة في التقويم الدراسي. ولكم أن تتخيلوا حالتها ليلة دخول رمضان، حيث تقضي نصف وقتها وبعد إعلان دخوله متنقلة بين سوبرماركت وأخرى باحثة عن الفيمتو وعجينة السمبوسة واللحمة المفرومة وعلب الفول والزيت وقمر الدين وكراتين التمر. وهي متذمرة من عدم وجود الوقت الكافي حتى تستعد. وحالتها تكون أصعب قبل أيام من انتهاء رمضان، حيث تنتقل من محل لآخر كي تشتري ملابس الأولاد وفساتين البنات، وفي ليلة العيد تقف مع طوابير المنتظرين في محلات الحلوى كي تشتري حلاوة العيد وهي تتشكى من العيد الذي حل فجأة، رغم أن شوال يأتي دائما بعد رمضان ورمضان يأتي دائما بعد شعبان لم يحدث أن سبق أحدهما الآخر فأين عنصر المفاجأة؟! وتتحدث عبر جوالها الأول مع السائق الذي ذهب ليحضر ثياب الأولاد من عند الخياط ، وعبر جوالها الثاني مع الكوافيرة مطالبة بموعد كي تجهزها لحفلة العيد الليلية .. - سؤال لا علاقة له بالموضوع؛ لماذا تحتاج هيلة لأكثر من جوال؟ وما هي حكاية سلة الجوالات التي يحملها البعض؟ أهي دلالة على المكانة الاجتماعية أهمية حاملها أم دلالة على أن صاحبها لا يكف عن الكلام و"الهذرة" أم هي مجرد موضة ستندثر وتحل محلها موضة أخرى ؟ - المهم نعود لهيلة التي تمضي ليلة العيد في ركض مستمر بين هنا وهناك، ليأتي الصباح ويمر يوم العيد وتجلس بجانب إحدى صديقاتها في حفلة تجمعهن بها وهي تتحدث عن العيد الذي فقد طعمه ورمضان الذي لم يعد كما كان في السابق وعن الدينا التي تغيرت. لماذا تبدو هيلة وكأنها ضيعت رمضان والعيد؟ ولماذا تتعامل معهما وكأنهما زائران مفاجئان؟ ومتى تتصادق هيلة مع الوقت؟ وكل عيد وأنتم بخير.