يدور حديث المجالس هذه الأيام حول فتك أنفلونزا الخنازير بالبشر، والتدابير التي ينبغي اتخاذها للحد من انتشار هذا الوباء، على الأصعدة كافة، وإذا كان بعض من يناقش هذا الموضوع يرى أن التضخيم قد صاحب الحدث وأن هناك كثيراً من الحالات تماثلت للشفاء، فإن وجود وفيات ليست بالقليلة نتيجة الإصابة به يؤكد أن الأمر ليس فرقعات إعلامية، بل هو الجد ليس بالهزل، فقد صرَّح وزير الصحة بأن الحالات المصابة في المملكة العربية السعودية بلغت (3500) حالة، والوفيات بسبب المرض بلغت (27) حالة، ومن هنا فإن محاولة الحد من انتشاره ينبغي أن تكون في مقدمة الأولويات. كثيراً ما نتحدث عن أن لهذا الوطن خصوصية، فهو بلد الحرمين، ومهبط الوحي، ومهوى أفئدة المسلمين، لكننا نورد تلك الميز في حالات الفخر فحسب، متناسين أن ذلك يتطلب منا نظرة أكثر عمقاً؛ فتلك الأمور ستسوق الناس لزيارة هذا البلد، ومن أبسط أبجديات الحديث عن أسباب انتشار هذا الفيروس أن يقال: إن الزحام وتلاصق الأجساد يعد ناشراً قوياً له؛ ولذلك علينا إذن ألا ننتظر الدول المجاورة حتى تكون أكثر شجاعة منا وتعلن عن بعض الإجراءات التي تعطل سريان هذا المرض. ومن تلك الأمور التي لا ينبغي انتظار آراء الدول المجاورة فيها قرار تأجيل الدراسة، لقد أصبح المواطن السعودي يتابع عن كثب ماذا سيصدر عن دولة الكويت أو البحرين أو عمان.. إلخ بهذا الخصوص، وكأنه يريد أن تكثر الدول المؤجلة لعل ذلك يدفع المسؤولين عن التعليم في بلادنا إلى السير في ركابهم، مع أن أصحاب القرار في الوزارة لا يفتؤون يرددون بأنهم أهل خصوصية، وأصحاب سبق! لقد حز في نفسي وشعرت بخيبة أمل كبيرة - وأظن أن كثيراً من المواطنين يشاركني ذلك - عندما أسفر اجتماع المسؤولين في وزارة التربية عن أن عدد المصابين في المدارس لا بد أن يصل إلى 10٪ حتى تتوقف الدراسة، تصور معي بأنه ينبغي أن يصاب نصف مليون طالب بهذا الوباء حتى يتخذ مثل هذا القرار، ثم تأمل معي كيف أن استمرار الدراسة في ظل الإمكانات المتهالكة لبعض المدارس ربما يوصل المصابين إلى أبعد من هذا الرقم. الوزارة أدرى بشعابها، وتعرف كيف أن الطلاب في مدارسها المستأجرة قد ازدحموا في الفصل الواحد بشكل يثير الشفقة في الأوضاع العادية، فهم في تلاصق أجسادهم وتقارب أنفاسهم كأعواد الكبريت داخل العلبة، تخيل معي كيف سيشتعل فيهم هذا المرض بسرعة أعواد الثقاب المتراكبة، إنه مشهد مأساوي فعلاً. ولو جئنا للخيار المتاح لنفحصه ونرى تبعاته، وهو خيار تأجيل الدراسة ريثما يتوافر اللقاح - وسيكون ذلك خلال الأشهر القليلة القادمة حسبما أُفْصح عن ذلك - فإنه لن يترتب عليه ضرر بالعملية التعليمية التي يخشى الغيورون عليها من المساس بها. ماذا لو بدأت الدراسة بعد إجازة الحج، واستمر العام الدراسي إلى نهاية شهر رجب، سيكون العام مكوناً من سبعة أشهر ونصف. أسبوعان منه لإجازة الفصلين، وثلاثة أشهر ونصف لكل فصل دراسي، هل هذه الفترة قليلة؟! لا أظن أن أربعة عشر أسبوعاً لكل فصل دراسي غير كافية لأداء ما يطلب فيه، لا سيما إذا وضعنا في حسابنا أن ذلك سيدرأ عنا وعن أبنائنا - بإذن الله - خطراً كبيراً، بل إن الوضع الطبيعي في التعليم العام نرى فيه الأستاذ ينتهي من تدريس مقرره قبل أسبوعين من نهاية الفصل، ويكون ما تبقى منه نهب الغياب والتسبب ومراجعة لا أحسبها تحقق شيئاً ذا بال، وقل مثل ذلك عن التعليم الجامعي الذي تُقَدِّم الكليات فيه امتحاناتها أسبوعين لأنها تشعر بأن الفصل طويل، وقد استوعب المادة العلمية المطلوبة. فلنخفف الهلع من تأجيل الدراسة؛ فالأمر لا ضرر منه البتة، ففي أزمة الخليج تقلص أحد الفصول الدراسية إلى زمن أقل مما هو مقترح في مقالي بكثير، وسارت العملية التعليمية على ما يرام، ولم تكشف الأيام عن آثار سلبية نتجت عن قصر ذلك الفصل الدراسي. سنكسب من هذا التأجيل أموراً كثيرة، وأحسب أننا لا نخسر شيئاً، بل سيظل ما يقال عن سلبياته كلاماً نظرياً، فسيبقى العلم مع التأجيل بخير، ويكون وقعه على العملية التعليمية التي يخشى عليها برداً وسلاماً. * كلية اللغة العربية - جامعة الإمام