لا أعلم عن الأساس "الشرعي" والتاريخي لظاهرة الإفطار الجماعي الذي نراه بتلك الصور داخل الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة والذي يُشاهد على الطبيعة وعبر شاشات التلفزيون يومياً والتي تنقل لنا ظاهرة وصلت في بعض حالاتها إلى ما يمكن أن يطلق عليها أنها "بدع" لم تكن معروفة في السابق بسبب المبالغة المتزايدة في كميات وفي أنواع الأكل والشرب الذي يقدم ويوزع داخل الحرمين .. ولم أجد مايؤكد أن نبينا محمدا صلى الله علية وسلم ولا صحبه الكرام ولا الخلفاء من بعدة قد اتخذوا من الحرم ومن المسجد في مكةالمكرمة والمدينة المنورة مكانا "دائماً" للإفطار في شهر رمضان بمثل هذه الصورة التي نراها اليوم .. في هذا الشأن يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين رحمه الله في حكم إفطار جماعة المسجد في المسجد جوابا لسؤال حول إفطار جماعة المسجد فيه قبل الصلاة وإتمام ذلك بعدها ؟ (يجوز ذلك في المسجد الحرام والمسجد النبوي اغتنامًا للوقت وللمسجد، لضيق الأماكن، ولا بأس به في غيره عند الحاجة، كمن ليس له منزل وإلا فيكره، فالأصل تناول طعام الإفطار في المنازل ) الفتوى رقم (7385) .. ومن ذلك يتضح أن الإفطار في المنازل هو الأصل .. ومايؤكد هذه الظاهرة التحذيرات الرسمية من المبالغة في إدخال الأكل والشرب وذلك وفقا لما ورد في تقرير إخباري صدر بتاريخ 31-8-2008م جاء فيه ان الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أصدرت بيانا تحذيريا حذرت المعتمرين الصائمين من اصطحاب أي طعام إلى داخل الحرم المكي باستثناء"القهوة والتمر"وما عدا ذلك سيتم منعه عبر بوابات الحرم،؟؟ إلا أن هذه التحذيرات يبدو أنها غير مجدية وما يؤكد ذلك الخبر الصحفي الذي نشر الأسبوع الماضي والذي تضمن ان كمية مخلفات الإفطار في الحرم المكي بلغت 2670 طناً في داخل الحرم المكي حيث وصل المتوسط التقريبي لكمية النفايات المرفوعة يوميا من المسجد الحرام إلى أربعين طنا تقريبا، وفي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ترتفع تلك الكمية إلى أكثر من 187 طنا في الليلة الواحدة !! وجاء في نص المخالفات في الحرم المكي والوارد ذكرها في موقع الحج والعمرة الالكتروني أن من المخالفات التي تحدث في الحرم المكي تشويه أرض الحرم بفضلات الطعام وان بعض الناس يدخل أصناف الطعام إلى الحرم فتبقى بعض فضلاتهم وفُتاتهم تملأ أرض الحرم وتتسخ بعض الفرش فيتأذى العباد من الصلاة عليها وينفرون عنها وقد يكون في بعض الصفوف فُرُج بسبب ذلك . والصواب أن على هؤلاء أن يتقوا الله سبحانه وتعالى ويحترموا بيت الله سبحانه ولا يمتهنوا ما امتن الله به عليهم من أصناف الطعام والشراب فيهملون فضلاتهم على الأرض فتكون عرضة لأن تداس وتمتهن وبناء على ذلك فإما العناية بهذا الأمر وإلا عدم إحضار الطعام أصلا والاكتفاء بالتمر والماء فإن أراد زيادة على هذا خرج من الحرم فأكل ما شاء حتى ولو كان معتكفا لأن الخروج للأكل الذي لا بد للإنسان فيه من الخروج جائز .. وجاء أيضاً في ذكر مخالفات الاعتكاف مخالفة بعنوان (إدخال المعتكف الطعام للحرم أو توصيته بذلك مع علمه بمنعه) أن المعتكف إذا أراد أن يأكل طعاما فليخرج من الحرم ليأكل وهذا الخروج لا يضر اعتكافه لأنه خروج لأمر لا بد منه وما دام أن الخروج للأكل جائز فلماذا يُصرّ المعتكف على الأكل داخل الحرم مخالفا بذلك أمر المنع ؟ صحيح أن ظاهرة الإفطار الجماعي ظاهرة تعكس التواصل الإسلامي وهي ظاهرة محمودة وجميلة وهي نابعة من فعل الخير والصدقة ولكنها أصبحت تشهد مبالغات متزايدة وأصبحت عامل جذب كبير لكثير من الناس للحرم ولو تم إلغاء (سفر ) الإفطار من داخل الحرم ونقلها إلى خارج الحرم لقلل ذلك من الازدحام البشري كثيرا داخل الحرم .. ويمكن الاستفادة من الساحات الخارجية للحرم خاصة بعد إتمام التوسعة لتلك الساحات بحيث تنقل إليها جميع "سفر الإفطار" ويمنع منعاً باتاً الإفطار داخل الحرم وخاصة داخل "الصحن" لاسيما ان مدة الوقت مابين الأذان والإقامة كافية جداً لدخول المصلين إلى الحرم . المهم أن الظاهرة تحتاج إلى دراسة عاجلة تهدف إلى تنظيمها وضبطها وضمان عدم تطورها او المبالغة فيها مستقبلا ..ونقلها إلى خارج الحرم حتى نضمن عدم تطورها إلى أكثر من ذلك في المستقبل !! وإذا كان لابد من الإفطار داخل الحرم فيقصر ذلك على حبات محددة من التمر (بدون نواة) وماء فقط وإلغاء (مد السفر) الطويلة . أيضا تنظيم عملية بيع وجبات الإفطار الجاهزة والتي تباع عشوائيا عند بوابات الحرم ومراجعتها من كافة الجوانب ؟؟ *****