..لم تعد الخيارات المتاحة حالياً أمام وزارة الشؤون الاجتماعية كافية لإحداث نقلة نوعية في عمل الدور الاجتماعية (الحضانة، الأيتام، الرعاية، التربية، المسنين،...)، حيث لاتزال المعاناة مستمرة من تدني مستوى بعض الخدمات، وتوفر الإمكانات، إلى جانب تطبيق أساليب تقليدية للرعاية الفكرية والتأهيلية والنفسية لاحتواء نزلاء الدور. وتطرح "الرياض" في هذا التحقيق فكرة خصخصة الدور الاجتماعية في المملكة، وتسليمها للقطاع الخاص بشكل تدريجي وعلى عدة مراحل تحت إشراف مباشر من الوزارة، بهدف دعم العمل المتكامل بين هذه الدور، والارتقاء بالخدمات ومستوى التأهيل والمشاركة في المجتمع على أساس التنافس وتحمل المسؤولية، إلى جانب إتاحة الفرصة أمام وزارة الشؤون الاجتماعية للتفرغ لحل قضايا مجتمعية كبيرة مثل الفقر، والضمان، والتنمية الاجتماعية. الحل الأمثل وأكد المختص الاجتماعي مكي الخليفة من "دار المسنين" التابع لجمعية سيهات الخيرية على أن تحويل دور الرعاية الاجتماعية إلى القطاع الخاص سيكون أفضل في الخدمات المقدمة للنزلاء"، مشيرا إلى أن تحويلها للقطاع الخاص لا يتناقض مع المسؤولية الملقاة على عاتق الوزارة، خاصة أنها ستشرف عليها، وستدعمها، موضحاً أن الوزرة لها تجربة حالياً في هذا المجال كدعمها لمركز التأهيل الشامل المفتتح بمستويات متطورة من نواحٍ عدة، أهمها الكادر العامل فيه المدعوم حكوميا. وعن نقص الخدمات يقول:"نحتاج لدعم يقدمه القطاع الخاص، كما أن هذا الدعم يكون في أمور تخصصية من شأنها أن تطور العمل نحو الأفضل"، مضيفا "إن كثيراً من الدور تعاني من نقص في الكادر المتخصص في الرعاية والتأهيل والعلاج، وخصوصاً الجانب النفسي منها، مشيرا إلى "أن الخصخصة يمكن أن ترفع مثل هذه النواقص وتجعلها من الماضي". وأضاف أن"وجود الخصخصة يدعم العمل المتكامل في جميع التخصصات التي تحتاجها دور الرعاية، ما ينعكس في شكل إيجابي على النزيل الذي يريد أهله أن يعيش في ظل خدمات متكاملة تعينه على قضاء أوقات جيدة داخل المراكز". واشار إلى إننا نفهم أن تحويل دور الرعاية إلى القطاع الخاص يعني الدعم المستمر والفعال، ما ينعكس على الخدمة، وهذا خلاف الحال الآن، إذ ننتظر الإعانة السنوية التي تأتي من قبل الوزارة، أو أننا نأتي للمحسنين الذي يمكن أن يساهموا في هذا المجال، مشددا على أن تحقق "الخصخصة" يعني للعاملين في هذا المجال الكثير، وبخاصة في مجال الخدمات الطبية والنفسية. الخصخصة المستعجلة وعلى عكس الخليفة يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد دليم القحطاني أن "الخصخصة المفاجئة" ستتحول إلى خسائر على أكثر من صعيد، ويتابع شارحا بقوله: "إن الخصخصة المفاجئة، خاصة في المؤسسات الحكومية الكبيرة والاجتماعية التي تتعامل مع الناس تأتي بمفعول عكسي"، مشيرا إلى وجود تجارب وصفها ب"المريرة جدا"، ويضيف "أمامنا تجارب خصخصة ليست بالمستوى المطلوب، كما أن هناك مرافق كبيرة لم تخصص بعد". وعلى صعيد خصخصة دور الرعاية، يقول: "إن هذه المؤسسات على احتكاك مباشر مع الناس، كما أن وعي الناس ما يزال تجاهها محدودا"، مضيفا "إن كان لا بد من خصخصة مثل هذه المؤسسات، فلا بد أن تكون هناك خصخصة بسيطة عن طريق تخصيص جزء في المرحلة الأولى"، ويتابع شارحا وجهة نظره "لا بد أن يكون نصيب الأسد موكل للدولة لمدة لا تقل عن الثلاثة أعوام، ثم تباع حصة أخرى للمواطنين من نسبة الدولة"، مشيرا إلى أن هذه هي الطريقة الاقتصادية المثلى التي لا تدخل هذه المؤسسات في أزمات مستقبلية. وعن الخطوة التي تسبق الخصخصة يقول القحطاني: "إن كثيراً من المواطنين يجهلون الدور الذي تقوم به دور الرعاية، والمطلوب قبل تنفيذ الخصخصة تخصيص عام كامل لبث الوعي الثقافي المساند لهذه الخطوة التي تأتي عبر دراسة متينة"، منتقدا "الخصخصة المفاجئة" بقوله: "إننا ضد الخصخصة المفاجئة، خاصة في المرحلة الحالية التي يعاني العالم فيها من تبعات الأزمة المالية العالمية"، مضيفا "نحن متخوفون من خطوة مستعجلة في الخصخصة لهذه الدور؛ لأن المواطن لم يتعرف جيدا على خدماتها، كما أن بعضهم يتخوف حتى من دعم هذه المؤسسات!. اطفال الدور يمارسون اللعب دون الاندماج الكافي مع المجتمع مشاريع «على كف عفريت» وقريب من وجهة نظر الدكتور محمد القحطاني يقول المختص الاجتماعي جعفر العيد: "إن على وزارة الشؤون الاجتماعية تحمل مسؤولياتها حتى لو أوكلت الأمر للقطاع الخاص، خاصة أن دور الرعاية في شكل عام هي دور مرتبطة بشكل أساس بالمجتمع"، ويتابع "إننا نعيش في عالم يهتم حاليا بما يعرف بذروة الرعاية، ففي بريطانيا عمدت إلى مشروع رعاية جعلها تلقب بدولة الرعاية، خاصة بعد أن انتقلت من مرحلة سد الحاجات إلى مرحلة رعاية الخدمات"، مشيرا إلى ضرورة الاستفادة من التجربة البريطانية في هذا المجال. ويضيف "ينبغي أن يدخل القطاع الخاص في هذا المجال بشكل مساند، وليس بشكل أساسي"، الأمر الذي يتفق مع الدكتور محمد القحطاني في المرحلة الأولى من ما أسماه ب"خطة الخصخصة غير المفاجئة"، ويتابع العيد "إن الاعتماد على الخصخصة في هذا المجال يمكن أن يضيع المستفيدين، خاصة أننا لم نصل كمجتمع لوعي يمكننا من تحمل مسؤوليتنا الاجتماعية تجاه هؤلاء النزلاء". ويضيف "إن طرح الخصخصة من الناحية الاجتماعية في هذه الفترة غير مجد لهذه المؤسسات التي هي على تماس مباشر مع الناس"، مطالبا بوضع "خطة خصخصة" محكمة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، ويقول في هذا الصدد: "لا بد أن تتضمن الخطة على العمل التوعوي، وعلى تجريب بعض الدور على العمل مع القطاع الخاص، ورؤية مدى النجاح والفشل، بعدها تقرر الدولة التخلي عن هذه المسؤولية أو عدم نيتها في ذلك"، واصفا النجاح أو الفشل ب"الوقوف على كف عفريت"، ويضيف "إننا نجد كيف أن هناك مشاكل في ظل وجود دعم الدولة لهذه الدور، فكيف سيكون الحال إن دخل القطاع الخاص بمبادئه المعهودة في السوق، بلا شك سيؤثر ذلك على الصعيد الاجتماعي"، مبديا تخوفا خاصاً بعدم تحمل الطرف الآخر (القطاع الخاص) لمسؤوليته، ويقول في هذا الصدد: "عندها سيدفع الضريبة المواطن الذي يستفيد من هذه الدور"، مطالبا بضرورة وضع التشريعات الخاصة بالعقوبات الرادعة لمثل هذه المخالفات التي قد تحصل من قبل القطاع الخاص. حقوق الإنسان والخصخصة من جانبها ترى عضو هيئة حقوق الإنسان منى الشافعي "إن كان هدف الخصخصة أساساً هو الإسهام في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة وإتاحة المجالات أمام القطاع الخاص للمشاركة في عملية التنمية، فأنه لا ينبغي إغفال أهمية وضع المعايير اللازمة لقياس مستوى الخدمة، وضمان جودتها، وهنا يتطلب الأمر مؤسسات غير حكومية تعمل ما بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لتكون شريكاً في تقديم هذه الخدمات كما هو الحال القائم اليوم مع مؤسسات اجتماعية خيرية، ومؤسسات أخرى ذات دور رقابي لمستوى خدماتها، ومدى التزامها بما أسند إليها من مسؤوليات، ويمكن أن تضطلع بدور مطالبي بحقوق هذه الفئات". وتضيف "في مرحلة يتوجه العالم فيها لتفعيل حقوق الإنسان في كافة مناحي حياته وتظفيرها في المشاريع التنموية، يصبح لزاماً التأكد أثناء إحداث أي عملية تغيير اقتصادي أن تتوافر فيها معايير احترام حقوق الإنسان والرعاية الاجتماعية لم تعد إحسانا يلبي حاجات المعوز، بل أصبحت حقاً أساسيا، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على أن لكل فرد الحق في إن يعيش في مستوى يكفل له الصحة والرفاهية، وهذا يعني أن هذه الجهات ملزمة قانونياً بهذه الحقوق ومسؤولة أمام الحكومة والمجتمع من الوفاء بالتزاماتها"، مشيرة إلى أن هذه الفئة لا تستطيع محاسبة هذه الجهات، وتشدد على "وجود مؤسسات تلعب دور الرقيب والمحاسب والمطالب لهذه الحقوق"، معتبرة أن ذلك "أمرا في غاية الأهمية من شأنه أن يخفف وطأة سياسة السوق على هذه الفئة الضعيفة، ويجعل عين الدولة الراعية لا تغيب عنها، ويغلب رأي الالتزام بالحقوق بدلاً من سياسة التفضل والإحسان والمنة" تحول تدريجي أما مدير الشؤون الاجتماعية في المنطقة الشرقية إبراهيم العمير، فيؤكد أن لخصخصة دور الرعاية فوائد شرط إن تأتي ضمن تحول تدريجي، ويقول: "يجب أن يكون التحول ناجماً عن دراسة محكمة من قبل الوزارة، فهو لا يأتي من قبيل التنصل عن المسؤوليات المناطة بها". عدد من النزلاء في مركز الندى للرعاية الاجتماعية بحائل «ارشيف الرياض» ويضيف "من المفترض أن تسن التشريعات والقوانين الخاصة بتطوير العمل لصالح المستفيد من النزلاء"، مشيرا إلى أن تحويل "دور الرعاية" إلى القطاع الخاص من اختصاص الوزارة، إذ أنها الجهة المخولة في مثل هذه القرارات، ويتابع "إن كان هناك دراسة متأنية وواضحة الخطوط، فأنا شخصيا أؤيد فكرة الخصخصة". وأشار إلى تجربة الوزارة فيما يخص بعض الجمعيات المتخصصة في مجال معين، يقول: " خصخص بعضها، ومتى ما أعطت نتيجة التجربة واقعا جيدا، اعتقد أنها ستسهم في اتخاذ قرارات مشابهة ومشجعة"، مشددا على "أن عمل القطاع الخاص في الخصخصة سيكون تحت إشراف الوزارة في كل الأحوال". ويشير العمير إلى الفروق الناجمة بين عمل القطاع الخاص والعمل الحكومي، يقول: "إن العمل سيختلف بعض الشيء، إذ سيكون العمل مع القطاع الخاص أكثر مرونة، ما يعني أنه سيحد من الروتين الحكومي الخاص بالمعاملات".