لم يكن اختيار عضو الاتحاد السعودي لكرة القدم طارق كيال لرئاسة بعثة المنتخب لمباراته مع نظيره البحريني في المنامة ضمن إياب (الملحق الآسيوي) المؤهل لكأس العالم من فراغ، فالرجل بما يملكه من تاريخ رياضي حافل، إن لاعبا متميزا في السابق، أو إداريا وقياديا ناجحا في الوقت الراهن، يكاد يكون هو الرجل المناسب في الوقت المناسب، خصوصا وأن المباراة تعتبر منعطفا خطيرا في طريق حافلة (الأخضر) المتجهة صوب جنوب أفريقيا. والأجمل في كيال ليس أسلوبه القيادي الناجح وحسب، فثمة مزايا كثيرة يملكها، أهمها قدرته على مواجهة الإعلام في أصعب الظروف على عكس الكثيرين، وهو ما لمسناه في حوار (دنيا الرياضة) معه. ففي هذا الحوار تناولنا وإياه بعض القضايا التي تهم الشارع الرياضي السعودي، فكان صريحا، وشفافا، ومتفائلا، وهو ما ستلمسونه في السطور التالية: * وأنت ترأس (البعثة الخضراء) لمواجهة الذهاب مع البحرين، كيف هو شعورك قبل هذه المواجهة المصيرية؟ - شعوري ممزوج بأكثر من إحساس، فبقدر ما أنا مقدَّر وممتن ومثمن للثقة التي حظيت بها من الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير سلطان بن فهد ومن نائبه الأمير نواف بن فيصل لتكليفي برئاسة البعثة، فأنا أيضا متفائل بقدرة المنتخب على تجاوز هذا المحك الصعب، بكل ما تعنيه الكلمة؛ لكنني حتما لا يمكن أن أخفي وجود شيء من القلق الإيجابي باعتبار أننا نخوض مباراة غاية في الأهمية، وهو القلق الذي يدفعنا للتركيز وزيادة جرعة الإحساس بالمسؤولية. * في تصريحات صحفية لك لإحدى الصحف البحرينية تحدثت عن صعوبة المباراة، إلى درجة أنني- شخصيا- شعرت بأن ما يختبئ وراء حديثك هي مخاوف وليست مجرد قلق؟ - حتى أكون واضحا، في مثل هذه المباريات تكون هناك مواجهتان، واحدة داخل الملعب، وأخرى خارجه، بمعنى آخر، فإن مباراتنا مع البحرين هي أشبه بالمعركة، التي ينبغي أن يكون التصعيد فيها تكتيكيا وإعلاميا، ولذلك لا يمكن أن أكشف أوراقي للبحرينيين سواء تلك التي تكون في الملعب، أو خارجه، وهو ما يمكن أن أسميها بالمراوغة، أو الالتفاف على الحقيقة. * وهل تعتقد أن المنتخبين ليسا مكشوفين لبعضهما، وهما اللذان يعرفان تفاصيل التفاصيل عن بعضهما البعض؟ - على الرغم من معرفة المنتخبين ببعضهما، إلا أن ثمة تفاصيل دقيقة، لا يمكن أن تكتشف، خصوصا وأن ثمة متغيرات فنية، وعناصرية تطرأ على المنتخبين، وهو ما يغير فيهما من مباراة لأخرى، كما أن الاستناد على فترة الإعداد في تقييم هذا المنتخب أو ذاك استناد خاطئ، لأن فترة الإعداد لا تعكس كل الواقع، باعتبار أنها فرصة للمدرب للتجربة، ومحطة له للتحضير للمباراة، ولذلك تراه لا يكشف كل أوراقه فيها، حتى تكون لديه أوراق يمكن له أن يفاجئ من خلالها خصمه. * أراك تلمح لمرحلة الإعداد التي جرت في ولاية صلالة العمانية، والتي لم ترق لأنصار المنتخب، لاسيما بعد هزيمته من المنتخب العماني. - انأ أتحدث بشكل عام، وهو ما ينطبق على معسكر صلالة أيضا، ومواجهة عُمان التي خسرها المنتخب، إذ لا يمكن لأحد أن يبني تحليلاته وأن يضع كل تصوراته الفنية عن المنتخب عطفا على تلك المرحلة الإعدادية، كما أننا لا يمكن أن نقتصر على تقييمنا للمنتخب العماني وفقا لمعسكره الإعدادي، لأنه وببساطة شديدة التكتيك في التدريبات وفي المباريات الودية شيء، وفي المباريات الرسمية شيء آخر، والمدرب الناجح هو الذي يستطيع أن يرسم خططه، ويغير فيها قبل وأثناء المباراة، وفق نوعية الفريق الذي سيواجهه، وبحسب معطيات وسير المباراة، فمثلا في مباراة ما يمكن أن أشرك ياسر القحطاني وناصر الشمراني في الهجوم، وفي أخرى أزج بمالك أو هزازي وفقا لنوعية الدفاع وطريقة اللعب التي يعتمدها الخصم. * في أحد تصريحاتك امتدحت المنتخب البحريني ومدربه التشيكي ميلان ماتشالا وقلت عنه نصا بأنه "مدرب محنك ويعرف خبايا الكرة الخليجية"، فهل هذا كلام حقيقي أم يدخل ضمن ما تسميه المراوغة الإعلامية؟ - أنا أعني ما أقول هنا، فالمنتخب البحريني منتخب جيد، ومتطور على الدوام، ولولا ذلك لما وجدناه أمامنا في الملحق متشبثاً بفرصة الوصول لكأس العالم، وتاريخ ماتشالا وخبرته بالكرة الخليجية لا ينكرها احد، بل أكاد أجزم بان المدرب التشيكي يعرف الكرة الخليجية أكثر مما يعرف الكرة في بلاده. * وهل معنى ذلك بأن ورقة المدربين تلعب لمصلحة المنتخب البحريني عطفا على معرفة ماتشالا بالمنتخب السعودي قياسا ببيسيرو؟ - ليس بهذا المعنى الدقيق، إذ لا يعني أن يكون ماتشالا يعرف الكرة السعودية، أن بسيرو في المقابل يجهل المنتخب البحريني، باعتبار أن الفضائيات ونقلها للمباريات لم تجعل هناك سرا بين المنتخبات، فكلها مكشوفة لبعضها البعض، فمثلا هل ثمة أحد لا يعرف ياسر القحطاني وأسامة هوساوي ووليد عبدالله، بالتأكيد لا؛ ولكن هناك أمور يملكها المدربون تسمى تحضير وقراءة وتكتيك، وهي تختلف من مدرب لآخر، والمدرب الجيد من وجهة نظري هو الذي يجيد قراءة المباراة قبل انطلاقتها وأثناءها، فهو أفضل من المدرب الذي يبني أموره كلها على التدريبات، فمثلا قد يدخل بيسيرو المباراة بياسر ونور، وهما اللذان لا احد يختلف على مستواهما، ولكن في لحظة معينة يمكن أن يسحب احدهما ويزج بلاعب آخر فيقلب مجريات المباراة. ** إذاً كلامك عن ماتشالا في الصحف البحرينية لم يكن في معرض مقارنته مع بيسيرو؟ - بالتأكيد.. ففي مثل هذه التصريحات، أتكلم بالعموميات، مثلا.. عن الأخوة التي تجمعنا، واحترامنا للمنتخب المقابل ومدربه ولاعبيه، وبعض الأمور التي تدخل في إطار التطمينات الإعلامية التي تسبق المباراة، لكن في الحقيقة أنا أتحضر لالتهام المنتخب البحريني!. * أعود لمعسكر صلالة، لأذكرك بأن الشارع الرياضي لم يكن مرتاحا من نتائجه، أفلا تعتقد أن ذلك قد ألقى بظلاله على المنتخب في المرحلة الراهنة؟ - أنا "فرحان" جدا لأننا ظهرنا بشكل سيء في صلالة، لأن ما حدث من نتائج وردود الفعل التي صاحبتها، زادت من حجم المسؤولية على اللاعبين، وهنا يأتي دورنا كإداريين بأن نعزز الثقة فيهم، خصوصاً وأن لاعبي المنتخب السعودي عرف عنهم بأنهم يعشقون التحديات. * المنتخب السعودي لم يعتد على اختبار (الملحق) إذ اعتاد على العبور المباشر للمونديال على عكس المنتخب البحريني الذي خاض تجربة مماثلة قبل مونديال ألمانيا الماضي، ألا ترى أن ذلك يلعب لمصلحة البحرينيين على الأقل من الناحية النفسية؟ - صدقني بأن لاعبي المنتخب يزداد شعورهم بالمسؤولية، كلما أحسوا بأنهم في موقف يتهدد تاريخ الكرة السعودية، وأنا أشبه واقع المنتخب الحالي ببطل في سباق ماراثون فقد يتأخر في محطة لكنه سرعان ما يستعيد عافيته ويحقق البطولة. * ثمة من يقارن إعداد المنتخب البحريني بإعداد المنتخب السعودي، ففي حين كان البحرينيون يعسكرون في النمسا ويخوضون مباريات ودية، كان لاعبو (الأخضر) مع أنديتهم، فكيف ترى ذلك من هذه الزاوية؟ - المنتخب جزء من الإعداد وليس كل الإعداد، وهذا ما يجهله الكثيرون، وأنا بصفتي نائب رئيس لجنة المسابقات في اتحاد الكرة، استطيع أن أؤكد لك بأننا عملنا في الاتحاد بشكل تكاملي في وضع برنامج المسابقات مع برنامج إعداد المنتخب للملحق، حيث طلب المدرب بيسيرو بأن نلعب جولتين في الدوري قبل التوقف لدخول المعسكر الحالي، وذلك في سبيل تجهيز اللاعبين مع أنديتهم، خصوصا على مستوى المباريات، لأننا على قناعة بأن لياقة المباريات الرسمية هي التي تصل باللاعب للجاهزية الكاملة، وليس التدريبات او المباريات الودية، فضلا عما تعطيه المباريات من حساسية على الكرة، وهو ما لمسناه بوضوح على عطاء لاعبي المنتخب حيث برز معظمهم في مبارياتهم. ** مع احترامي لوجهة نظرك، لكن المنتخب البحريني خاض مباريات من العيار الثقيل مع بطل الدوري الايطالي أنتر ميلان ومع كينيا، وآخر مبارياته التحضيرية مع إيران، بينما المنتخب السعودي لعب مع عُمان وسيلعب مع منتخب ماليزيا؟ - رغم إنني لا أتدخل في الأمور الفنية، فهي من شؤون المدرب وحده، ونحن نثق في إمكانات بيسيرو كثيرا، لكنه اختار ماليزيا لاعتبارات خاصة منها سرعته وتقارب مستواه مع البحرين، وبغية رسم استراتيجيته الفنية بحسب تصوراته للمباراة، ثم إن ماليزيا بات منتخبا متطورا وقويا. ** ثمة من يرى أن اتحاد الكرة يبحث عن مباريات ودية ضعيفة او متوسطة خشية تأثير النتائج عليه بصورة او بأخرى؟ - الهدف من المباريات الودية ليس استعراض العضلات، وإنما الهدف منها هو تحقيق أهداف معينة يسعى المدرب للوصول لها، ولك أن تتصور لو أننا لعبنا مع المنتخب البرازيلي في الوقت الراهن هل سنحقق النتائج المرجوة من المباراة، لا اعتقد ذلك، لأن إمكاناته الفنية العالية لن تسمح لبيسيرو في وضع تصوراته لمواجهة البحرين، وعموما المباريات الودية لا تقاس بالقوة والضعف، وإنما تقاس بحجم الفائدة المرجوة منها.