حسمت مذكرة التفاهم بين وزارتي التربية والتعليم والصحة المشتملة على الإجراءات التنفيذية الخاصة بوباء أنفلونزا الخنازير إشاعات تأجيل بدء الموسم الدراسي لهذا العام والتي حددت مسئولية الوزارتين حيال تأمين المواد التدريبية والتوعوية بالوباء وتدريب الكوادر بالصحة المدرسية على الاكتشاف المبكر للمرض ومكافحة العدوى وتأمين أجهزة قياس الحرارة والمعقمات ومطهرات الأيدي للمدارس وتفعيل النظافة العامة والشخصية للطلاب...الخ، أي احتوت على عناصر أساسية لخطة نظرية للتعامل مع هذا الوباء، ولكن يظهر -وفق ما نشر عن تلك المذكرة- انه لم يتم تقييم مخاطر عدم نجاح تطبيق هذه الخطة! لكون التعامل مع أنفلونزا الخنازير تم كباقي أزماتنا لإقفال ملفاتها والتي كان الجانب المادي بها هو أقصى ما ترتب على فشلها! في حين أن فشل خطة مكافحة أنفلونزا الخنازير سيؤدي لكارثة حقيقية بإصابة أسر بمرض قد يتسبب بالوفاة! فأي خطة تعد لمواجهة هذا الوباء كأزمة يجب أن تشتمل (بالإضافة لخطة (ب) لا قدر الله) على النظرة بواقعية لجميع العناصر المتعلقة بها، والاهم تقييم المخاطر التي قد تظهر في حال فشل الخطة حتى لا تتسبب تلك المخاطر في خروج الأزمة عن السيطرة، وإذا كانت لدينا قناعة بإدراك سمو وزير التربية والتعليم ومعالي وزير الصحة لخطر انتشار أنفلونزا الخنازير بين طلاب المدارس وانتقاله لأهاليهم وتكليفهما للجان لبحث الموضوع، فان مسئولية تقدير مخاطر انتشار المرض (وفقا للاختصاص) تقع على عاتق وزارة الصحة وممثليها باللجان التي يظهر أنها ركزت على استبعاد خيار تأجيل الدراسة لأسباب قد يكون منها عدم تضخيم حالة الوباء بالمملكة! وفضلت التوصية باتخاذ إجراءات "تنظيرية" وبالاستناد على تعليمات منظمة الصحة العالمية للخروج من المسئولية! مع أن المنظمات الدولية الصحية وغيرها تفترض في توصياتها توفر بيئة صحية جيدة بالمدارس وأماكن التجمعات ووعي كبير للمجتمع بالأوبئة وبنية صحية بإمكانيات عالية في جميع المدن، وهو ما نفتقده فعلياً بمدارسنا ومستشفياتنا! تلك حقائق يجب الاعتراف بها كواقع حالي لا يتناسب مع تطلعات القيادة التي رغبت في تصحيح الوضع بتعيين قيادات جديدة بالوزارتين مؤخرا للاستفادة من الطفرة الحالية لرفع مستوى التعليم والصحة! وعلى الرغم من مرور أشهر على انتشار هذا المرض وارتفاع الإصابات والوفيات مازالت جميع شرائح المجتمع بمختلف ثقافاته تتجاهل ما تضمنته حملات التوعية وتمارس عادات السلام بالعناق وحب الخشوم بالمناسبات والأعياد! كما أن المصاب لا يعلم بإصابته بالمرض إلا بعد معاناة كبيرة وواسطات لفحصه، وظهور النتيجة بعد (5) أيام كفيلة بانتشار المرض بين أسرته والمخالطين له! ولا ننسَ أن أفضل مكان يفترض أن تطبق فيه التدابير الوقائية وهو المستشفى كان سبباً في انتقال العدوى والوفاة لمراجعين أو زوار أو مرضى منومين منذ مارس 2006م! فكيف نثق بكفاية التدابير الوقائية المقترحة التي يجب على أطفالنا التقيد بها في فصول متكدسة لا يستطيع المعلم بمعظم مدارسنا أن يصل إلى الصف الأخير أو خلال الازدحام على المقاصف...الخ، وكيف نثق بنظافة المدارس التي نظرياً تتم من قبل شركات متخصصة وواقعيا -في حال توفر ذلك- تتم بعمالة متخلفة ومواد رديئة ومناشف بالية! وهل نضمن ان كل طالب ابتدائي او متوسط سيتجنب اللعب والاحتكاك بزملائه ومن ثم بأهله والخادمة وانه سيغسل يديه بالمطهرات قبل الأكل بالمدرسة؟ هنا يجب أن نعيد التفكير أكثر عندما نريد ان نطبق تعليمات منظمة الصحة العالمية، فتجاهل الواقع لا يعفي من المسئولية! إنني على ثقة بان الجانب المتعلق بتوفير الدولة لمئات الملايين من الريالات لإنجاح الخطة سيتحقق وسيصدر الاستثناء من المنافسات العامة لسرعة تامين المنشورات والمواد الطبية حتى وان لم تُورد إلا بعد أشهر من بدء الدراسة ووصول اللقاحات! وستُعقد الندوات والدورات وستُصرف المكافآت! ولكنني أتمنى من معالي وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة أن ينظر الى الجهة الأخرى ليفكر"شخصيا" بواقع مدارسنا ونظافتها ومعلميها وسلوك طلابها وإمكانياتها واثر الحملات التوعوية التي نفذت لأرباب الأسر والبالغين، وكذلك التمعن في إمكانيات المستشفيات والمراكز الصحية الحالية ليتأكد معاليكم بعد ذلك عن مدى واقعية وكفاية ما اُقترح للسيطرة على انتشار المرض! وبحيث تتم دراسة الموضوع بشكل أوسع حتى وان اضطررنا لتأجيل الدراسة كتعامل مع الواقع على الرغم أن ذلك سيتسبب في خسارة أبنائنا لأعمارهم! فانتشار المرض في مدرسة صغيرة بحي نائي سُتحمل وزارة الصحة مسئوليته لكون الجميع يعلم بإمكانيات المدارس ووحداتها الصحية المعول عليها الكثير في الخطة! فلايجب أن يدفع المواطن ثمن إهمال مواطن آخر لم يتقيد بالإجراءات الوقائية او نخسر مسئولا مخلصا بسبب انه لم يُوفق في تقدير المخاطر! فالأمر يتعلق بخسارة حياة أسر غالية لا تقدر بخسائرها في الأزمات الأخرى! والحلول المناسبة لا يًشترط لإبرازها الوقوع في كارثة! والله يحفظنا جميعا ولا يكلنا على أنفسنا!