درسني في الجامعة أستاذ يدعي شوقي السكري. في الواقع لم يدرسني. كان أستاذا في قسم اللغة الإنجليزية و كنت طالبا في قسم اللغة العربية ، لكن التدريس في ذلك الزمن تدريس جامعي بالمعنى الصحيح. كانت تحدث لقاءات جانبية مطولة بين الطلبة وبين الأساتذة في مطعم الكلية. يحضرها حشد من الأساتذة المتنورين. الدكتور حسن ظاظا والدكتور شكري عياد. كان يزرونا في هذه الجلسات أيضا بين فترة وأخرى الأستاذ حمد الجاسر. هذه الجلسات قدمت للحياة مجموعة كبيرة من الرجال الذين تعرفونهم الآن في نواحي الأعمال اللامعة. دواد الشريان, سعد البازعي وجاري الجديد كل اثنين الأستاذ محمد علوان وصالح الأشقر وغيرهم كثير. علمني الدكتور شوقي السكري قاعدة للكتابة القصصية والروائية بسيطة. رغم بساطتها ليس من السهل تطبيقها. في حال تطبيقها تحتاج أن تتعامل معها بسيكلوجيتين. أما الإحساس بالغش أو الإحساس بالذكاء. في كلتا الحالتين تشعر بأن هناك شيئاً غير طبيعي يحدث. كان يبرر قاعدته بالظروف الموضوعية. ضرب أمثلة كثيرة على نجاح كثير من الكتاب الأمريكان الذين استخدموا هذه الطريقة. كانت الظروف الثقافية الأمريكية مع بداية القرن العشرين تشبه في أوجه معينة الظروف الثقافية التي نعيشها الآن. منع الكتب وتهريبها ، سطوة المحافظين والتقليديين الخ. في هذا السياق حارب الأمريكان أفكار دارون ومنعوها من التداول في المدارس كما منعوا دخول كتاب جيمس جويس أوليسس بحجة أنه مليء بالإشارات الجنسية( نفس الحجة التي يستخدمها بعض الزملاء إذا أرادوا أن يطمروا في حلق الكاتب). تقول حيلة الدكتور السكري: إذا كتبت رواية أكتب فصلا أخيرا لا علاقة له بالرواية يغسل الفصول الأخرى من الشبهة. قل كل ما تريد أن تقوله في فصول الرواية وعندما تنتهي من كتابة الرواية تماما ، أكتب فصلاً أخيراً أذبح فيه المجرم وحرم ما يريد المحافظون تحريمه وأدن كل بطل في الرواية ارتكب خطيئة وهكذا تبرئ ذمتك في هذا الفصل بعد أن تكون قد قلت كل ما تريد أن تقوله في الفصول الأخرى. حيلة سهلة كما يبدو لكن تطبيقها يحتاج إلى قدرة على الخداع. تفترض هذه القاعدة أن ينطلق المرء في تأليف الرواية وهو في تمام صدقه الأخلاقي والفني وفي الوقت نفسه يكون في داخله النية بالخداع. تنفيذ هذه الحيلة يحتاج حسب وجهة نظري أما أن يكون الكاتب صارما شديد التركيز أو مخادعا بطبعه أو صاحب رسالة سرية. أثناء سير العمل ستكون واعيا بالفصل المخادع الذي سيأتي تاليا. هذه هي المشكلة الحقيقية. هذا الوعي سيلوث النص الأصلي. قد تبالغ في تصرفات الشخصيات القصصية أو قد تمضي بها إلى أبعد مما يمكنها أن تكونه. انتظار الفصل المخادع سيلقي بظلاله على سير العمل. هذا بالنسبة للرواية لكن ، هل نستطيع تطبيق حيلة السكري هذه على المقالات والكتب الأخرى غير الرواية. سأبين وجهة نظري في المقال القادم. تابعونا .