هل الانتظار خطيئتنا المفضلة؟ أم هو العادة التي ندأب على ممارستها دون ملل؟ نعتادها حتى تغدو تلقائية ولا نشعر حيالها بشيء؟! يبقى الانتظار هاجساً بشرياً يومياً، يكبر أو يصغر، يصبح شأنا تافهاً، لا نفكر فيه، كأن ننتظر دورنا أمام جهاز صراف آلي أو في محل الحلاقة، ويتضخم ليرتد حياة بأكملها كأن ننتظر إتمام دراستنا لنسعد –نعتقد هذا- أو أن يكبر أبناءنا، أو أن نمتلك بيت الأحلام وسيارة فارهة، أو نسافر لاكتشاف جهة مجهولة. نجد أن كل ما حولنا هو انتظار دون أن نعي، أو بوعي منقوص، كأن نتخيل أن انتظارنا يوقف الزمن بصورة ما، يتكثف الزمن في نقطة مفارقة لحياتنا، فهل نستطيع أن نحذف هذا الزمن من عمرنا؟ نوقف الوقت كلما شعرنا بحاجة إلى ذلك؟. في فيلم (صالة الانتظار -The Terminal) الكل ينتظر.. ف"إميلي" -كاترين زيتا جونز- تنتظر حبيبها باختيارها، وتنتظر رقماً على جهاز النداء الصوتي، ليعلن رحلتها القادمة، وفيكتور نافورسكي -بطل الفيلم توم هانكس- ينتظر رغماً عنه ولمدة تسعة أشهر في مطار نيويورك لحظة دخولها أو عودته إلى الديار. نحن ننتظر حتى دون وعي منا، مثل غوبتا ران "عامل النظافة الهندي" الذي هرب من مدينته "مدراس" بسبب جريمة اعتداء، واستمر لثلاث وعشرين سنة في انتظار سبب كافٍ ومحفز ليعلن عودته إلى وطنه وزوجته وأبناءه، ليكون السبب هو خدمة نافورسكي وإيقاف الطائرة ليحدث بعدها أي شيء. يستمر الانتظار خوفاً من ردة الفعل، فإنريك كروز "عامل المطبخ" يريد خطبة شرطية الجمارك، لكنه يخشى رفضها، أو "ديكسون" الذي انتظر ترقيته لتصبح سلطاته "مطلقة" على أمن المطار. يمتد الانتظار حتى بعد الموت، حين شعر فيكتور نافورسكي بأنه ملزم بإكمال ما شرع به والده قبل موته، الذي استمر ولمدة أربعين سنة يحاول جمع تواقيع نجوم الجاز الذين شاهدهم في صورة نشرتها إحدى الصحف، وراسلهم على مدى هذه العقود وحظي بتواقيع جلهم، ما عدا عازف الساكسفون "بيني غولسن". هنا شعر ابنه – نافورسكي- بأن واجبه يحتم عليه إتمام المهمة، تتويج انتظار والده، وكل تلك العقود، بإكمال التواقيع. لذا جاء إلى نيويورك من وطنه "كراكوزيا"، وعاش بشكل قسري لتسعة أشهر في المطار، وانتظر لحظة دخوله المدينة، وانتظر لقاءه بغولسن، ثم انتظر إتمامه لعزف وصلته الموسيقية، وبعد الاستماع إلى مقطوعة الجاز من أسطورة الساكسفون، حظي بالتوقيع الأخير، الذي كان حلمَ كل هذا الانتظار، في هذه اللحظة جاءت عبارة "العودة إلى الوطن". كل هذا الزمن، تسعة أشهر من عمر نافورسكي، وأربعين سنة من عمر والده، و21 سنة من عمر إميلي، و23 سنة من عمر غوبتا، هل يمكن أن نعتبرها لحظات مفارقة لما نعيش، لحظات لا علاقة لها بالعمر لأنها لحظة انتظار تُكثف الزمن؟. تقول إميلي لنافورسكي: أهدى نابليون لجوزفين ميدالية ذهبية، محفور عليها كلمة واحدة "القدر".