من أخطر الحروب بين الدول ، الحروب الاقتصادية ، لأنها تجرّ معها تعاملات تختلط فيها السياسة بالعديد من القضايا التي قد تضر بمصالح البلدين، ولعل أصحاب الرساميل الكبيرة في الدول الكبرى لا يستطيعون الاستغناء عن بعض الموارد الأساسية التي لا تملكها، والصين الدولة الصديقة الكبرى، أعلنت من طرف واحد رفع الضرائب على منتجات المملكة من البتروكيماويات مع أن أرقام صادرات المملكة غير النفطية لا تتجاوز السبعة مليارات من الريالات في حين تصل واردات المملكة من الصين (47) مليار ريال، وهذا الخلل استدعى المملكة لأن تحمي مصالحها بإجراءات تأمل أن لا تضر بعلاقات البلدين الاقتصادية، وتسوية المشكلة ودياً، وهو رد فعل طبيعي طالما البادرة جاءت من الصين.. فالسوق السعودي كبير جداً، وتشكل البضائع الصينية الظاهرة الأكبر سواء جاءت بسبب رخصها بموازاة الصناعات والبضائع الأجنبية الأخرى، أو التسهيلات التي أعطتها أنظمة البلدين، غير أن الشكوى من سوء جودة بعض البضائع أعطت حذراً من مخاطرها، ولعل سيرة الحليب الذي تسبب في وفيات داخل بلد المصدر وأدى إلى منع دخوله إلى الأسواق العالمية غير بعيدة عن الأذهان، وانطبق الأمر على لعب الأطفال والأواني البلاستيكية والأدوات الكهربائية، والتي لا بد أن تخضع لفحص الجودة قبل دخولها أسواقنا منعاً للأضرار، وليس للحمائية المتعسفة.. وفي نفس الوقت فنحن نحترم القرارات التي تؤكد مصالح أي دولة، لكن لابد من قياس الخطوات وانعكاساتها الإيجابية والسلبية على كلا الطرفين، ونحن في المملكة سوق مفتوح وبأقل الضرائب، والأساليب الحمائية، والصين ليست البلد غير المهم حيث تركض بخطوات سريعة نحو احتلال مركز متقدم في العالم سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، أو السياسي باعتبارها لاعباً مؤثراً في القطبية العالمية التي بدأت تتشكل الآن، والمملكة أيضاً لها عمقها وتأثيرها، وبالتالي إذا كان الاتجاه للصين لتأخذ العديد من المشاريع الكبيرة المطروحة الآن، فإن الواقع يفرض تجاوز الأزمات الصغيرة أو تركها مجرد فخاخ لردات الفعل من طرفنا، وهو أمر تنتظره العديد من الدول المنافسة والتي تتمنى تصاعد مثل هذه الخلافات لتفوز بالعقود المتاحة في المملكة. صحيح أن النظام للدولة الصينية لازال يأخذ بتقاليده (الماوية) في الوقت الذي نرى الجسم الاقتصادي رأسمالياً يخضع لنظام التجارة الدولية وأسواقها، وبالتالي إذا كانت الروابط ضمن حركة التجارة وقوانينها تفرض المعاملة بالمثل، فنأمل ألا تجرّ هذه الحادثة إلى تعقيدات يمكن تجاوزها بالحوار، والمكاشفة الموضوعية دون أن تترتب على ذلك أضرار تلحق بالبلدين.. الصين دولة وشعب عظيم وهي تتطلع لأن تكون رقم المعادلة في المستقبل في العديد من مصادر القوة، وهي الآن محسودة على تقدمها ودينامية شعبها وانضباطه وسرعة التجاوب مع تقنيات العصر والتأثير فيها، والمملكة تحاول أن تستفيد من هذه التجربة ليس فقط على المستوى الاقتصادي، وإنما على مستوى العديد من الإمكانات العلمية والتربوية وغيرهما..