نحن هذه الأيام وقت الصيف الحار والهواء اللافح ، ومن موضوعات الصيف ما يقال له القائلة والقيلولة ، ويقال للشمس وسط النهار بحرارتها ( صنقرت ) على أن هناك مسمى آخر تاريخي حيث يقال ( صكة عمي ) وتعني صكة عمي شدة الحر ووسط النهار ، وهو وقت لا يطاق المشي فيه من حرارة الأرض والجو ، وتبدو أشعة الشمس في أشد حالات السطوع ، إلى درجة عدم مقاومة العين لمثل هذا الشعاع ، والبعض من هواة التصوير يتجنبون كما يقولون هذا الوقت ، لأن صورهم تبدو شديدة البياض باهتة ، كما أن الصيد والحيوانات تبقى في جحورها أو مستظلة في أكنانها وكناسها ومكان اختفائها أو سكنها وبيتها ومأمنها ومأواها ،وبهذا تهدأ الحركة فلا يسمع إلا صفير من بعيد للهواء أو لبعض الحشرات الطائرة ، وبهذا تكون صكة عمي مميزة بمثل هذا السكون واستقرار الحر وشدته في كل مكان من الصحراء . وفي ذلك المسمى أقوال عدة ، فمنهم من قال : أن عمي هذا من سادات عدوان وقيل من إياد وقت الجاهلية وكان في قومه وقد وفدوا على الحرم لزيارته في قصد حج أو عمرة ، فقال لهم مفتياً من بقي في مكانه إلى هذه الساعة من يوم غد ولم يذهب إلى الحرم فليبق محرما إلى قابل أي إلى العام القادم ، وقيل أنه قال : من وصل مكة غدا في مثل هذا الوقت فله أجر عمرتين ، فاسرعوا وهم في وقت الظهيرة واشتداد الحر ليصلوا إلى الحرم رغم بعد المسافة حيث بينهم وبينها مرحلتان . فسميت ساعة النهار من الظهيرة ووقت الهاجرة والحر الشديد ( صكة عمي ) ومنهم من قال : بل إن عمي كان من فرسان العماليق وقد أغار على قوم في غزو فصكهم وقت الظهيرة واشتداد الحر فأوقع بهم ونال منهم ، فسميت تلك الساعة صكة عمي . وعلى العموم فإن الصك هو الضرب ، وصكه تأتي بمعنى ضربه ، كأحد معانيها ، وعمي تصغير أعمى ، فربما كان وقت الظهيرة أيضا يكون النظر فيه مشوشاً يشبه العمى أو ضعيفاً لبعض الحيوان والإنسان من شدة الحر . وقد وردت صكة عمي في قصيدة حيث يقول الشاعر : وجدي عليها وجد راعي بعارين امسى خلاوي والسرق حايفينه أو وجد من لحقوه طلابة الدين ( صكة عمي ) القايلة مقتفينه فجاءت هنا عبارة صكة عمي في البيت مرادفة لكلمة القائلة و بدلاً منها لأنها هي نفسها ، فأي من الكلمتين استخدمت وفت بالغرض وأفادت المعنى ، والموقف والمعنى المستنتج من القصيدة : ما حال من لحقوه طلابة الدين وهو بالطبع مفلس والوقت هو الهاجرة ، القيلولة وصكة عمي ، أين يذهب وكيف يتحمل الحرارة أو يطيق الهرب . وهذه العبارة أعني ( صكة عمي ) لقدمها ورغم شهرتها في السابق إلا أنها اليوم اندرست وانزوت عن النشر والتناول في القصائد وصار القليل من الشعراء والكتاب يستخدمها ، لكنها في المجتمع معروفة ولعل الكثير من الناس يعرفها ، في حين يستخدم بعض الشعراء كلمات أكثر غموضاً منها لدى المجتمع لكنه يعتقد بأنها واضحة في محيطه وبيئته ، مثل العبارات التي تتصل بالناقة الخلوج أو الموارد والترحال وقد يحتاج السامع إلى من يوضح معانيها. حفظكم الله في هذا الصيف وكل صيف من حر القائلة و [صكة عمي] .