( الفقر عدو الإنسان منذ بدء الخليقة ، وخصمه اللدود إلى الأبد ، تتنوع أشكاله ، وتتباين مظاهره ، أما السبل لمواجهته فمتعددة ومتشعبة ، غير أن أقصر الطرق للقضاء عليه وأنجعها لا تكمن في إطعام الأفواه الجائعة ، أو القيام بالجهود الإغاثية الوقتية ، وإنما في توفير فرص العمل للمستفيدين وتمكينهم من زيادة دخلهم عبر مضاعفة الإنتاج ، ومن هذا المنطلق لم تكتف وزارة الشؤون الاجتماعية بتوفير الضمان الاجتماعي للمحتاجين ، وإنما عملت من أجل مساعدتهم في ممارسة المهن الشريفة التي توفر لهم لقمة العيش الرغيد ) . بهذه المقدمة المحكمة لغة وأداء ومؤثرات صوتية ، يبدأ فيلم العطاء بعرض صور لأحياء الفقراء التي تبدو وكأنها تطل من عمق تاريخي وجغرافي لا علاقة له بهذا العصر ولا بدولة من أغنى الدول في المنطقة ، ولولا التقاط الكاميرا مناظر عفوية وسريعة لشوارع فسيحة وسيارات حديثة ، اقتحمت منظر البؤس لحسبت الصور آتية من أصقاع بعيدة ، تعرض الكاميرا سكان تلك الأحياء وبيوتهم المتهالكة التي تسمى بيوتاً مجازاً لا حقيقة ، إذ تفتقد كل ما يمت إلى هذا المفهوم بصلة ، وتبدو وجوه السكان منهكة وعيونهم زائغة أتعبها الفقر وأعيتها الحاجة وأضناها الجوع ، صور تستحضر بقوة قول عمر بن الخطاب لو كان الفقر رجلا لقتلته ! يحكي فيلم ( العطاء ) تجربة وزارة الشؤون الاجتماعية في مشروعها الرائد لتحويل الأسر المستهلكة إلى أسر منتجة ، وعنوانه ( الشراكة الاجتماعية ) مشروع بلدة القحمة في منطقة عسير أنموذجا . يعرض الفيلم صورا من حياة الصيادين ومعاناتهم مع الفقر الذي يغلف كل نواحي حياتهم بدءا من تهالك قواربهم وعدم قدرتهم على التوغل بها في عرض البحر- خوفا على أنفسهم من تعطلها - ليمارسوا مهنة الصيد المهنة الوحيدة التي يعيشون عليها ! يسعى الضمان الاجتماعي بوصفه ممثلاً لكثير من الأيتام والأرامل والمطلقات والمعلقات والعجزة وأسرة السجناء ومن لا عائل لهم عبر وثيقة الضمان ، إلى الشراكة في الشأن الاجتماعي بعدة أهداف أهمها : الوصول إلى المحتاج المتعفف ، بمساعدة إدارات التربية والتعليم لإعلامهم عن الفقراء من الطلاب ، والبحث عنهم بالستر والصرف باليسر ، بالتنسيق مع وكالة وزارة الداخلية المساعدة للأحوال المدنية ، وكذا المحاكم الشرعية لتبادل المعلومات المختصرة والضرورية عن المستفيدين والمستفيدات عند البحث والصرف مع ضمان أمن المعلومات المتبادلة وسريتها . وتمكين الضمان الاجتماعي ومكاتبه من الاستفسار عن أحوال المستفيدين من خلال الأحوال المدنية ، والجوازات ، ومكاتب العمل ، وعدم تكبيد أو تحميل الأرامل والمطلقات والمعلقات والمهجورات والعجزة تكاليف مالية ونفسية ووقتية في المراجعات الميدانية . ولا شك أن الوصول إلى المحتاج المتعفف- وهو من الذين يحسبهم الناس أغنياء ، لأنهم لا يسألون الناس إلحافا - هدف سام وعلى درجة عالية من الأهمية ، فأولئك الفقراء تمنعهم عفتهم من طرق الأبواب أو التسول في الطرقات ليسألوا الناس أعطوهم أم منعوهم ، وهؤلاء هم أولى الناس بالمساعدة والعون ، لأنه لا أحد يعلم عن فقرهم ومعاناتهم. لكن الوزارة لا تكتفي بصرف الإعانات المادية للمحتاجين بل تسعى– بالتعاون مع الجهات المختصة – لتأهيل من يمكن تأهيله من المستفيدين ، من أجل تمكينهم من كسب معيشتهم ودعم مشروعاتهم الإنتاجية وفق ضوابط تحددها لائحة خاصة بهذا الشأن . وهذا الهدف ينسجم تماماً مع قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل الذي جاءه سائلاً فأعطاه درهمين قائلاً له اشتر بأحدهما طعاماً وبالآخر فأساً فاحتطب وبع فهو خير لك من سؤال الناس ، أعطوك أم منعوك . تعليم الفقراء صنعة تدر عليهم دخلاً ثابتاً وترسخ في نفوسهم قيم العمل والمسؤولية ، خير من تعويدهم على انتظار المال دونما جهد ، إلا من كان منهم عاجزاً أو لديه ما يحول دون القيام بمهنة ما . تكمن أهمية المشاريع الإنتاجية في تحويل الأسر المستفيدة من خدمات الضمان الاجتماعي إلى أسر منتجة تعتمد على قدراتها في إيجاد لقمة العيش الكريم ، فضلاً عن المساهمة في الإنتاج الاقتصادي في المجتمع ، كما يكتسب هذا المشروع أهمية في التخفيف من الأعباء المالية على المدى الطويل التي يضطلع بها الضمان الاجتماعي من خلال تدوير رأس المال في سوق العمل ، وذلك بتحويل رأس المال المستهلك في النظام التقليدي في الضمان الاجتماعي إلى رأس مال منتج يمكن أن يستفيد منه العديد من مستفيدي الضمان الاجتماعي. أما الأهداف من تنفيذ المشاريع الإنتاجية فمنها : تحويل الأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي من أسر معولة إلى أسر عائلة قادرة على العمل والإنتاج ، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي للأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي من خلال رفع المستوى الاقتصادي للأسرة وتحسينه ، والمساهمة في تحويل الطاقات المعطلة في المجتمع وتأهيلها لتصبح طاقات إنتاجية ، وتنمية ثقافة العمل الحرّ لدى مستفيدي الضمان الاجتماعي ، وإيجاد وسائل غير تقليدية لمعالجة الفقر في المجتمع السعودي ، وتنمية الاقتصاد الوطني من خلال الأسر المنتجة. وقد وضعت الوزارة جملة من الآليات لتنفيذ المشاريع الإنتاجية منها : 1- تقديم الدعم والمساعدة المادية للمستفيدين من الضمان الاجتماعي الراغبين في العمل والإنتاج. 2- تأهيل من يمكن تأهيلهم من مستفيدي الضمان الاجتماعي وتنمية قدراتهم وطاقاتهم. 3- متابعة تنفيذ المشروع من قبل الجهة المختصة . 4- المساعدة في تسويق الإنتاج. ومن أهم مشاريع الأسر المنتجة التي قامت الوزارة بدعمها : مساعدة بائعي السواك في ساحات الحرم المكي الشريف ، تربية النحل وبيع العسل ، تربية الماشية وبيعها ، المطابخ النسائية والشعبية ، المشاغل النسائية ، حياكة النسيج وصناعة السدو، صناعة الخوص ودباغة الجلود ، البيع في المباسط النسائية ، محلات بيع الخضار والفواكه ، محلات خدمات الطالب ، مشروع مساعدة صيادي الأسماك بمركز القحمة . وكل هذه المشاريع تناسب أولئك الناس الذين حالت ظروفهم المعيشية عن الظفر بمستوى تعليمي أو مهني يحميهم من الفقر . أما ضوابط ذلك فمنها : 1- المساعدة مقطوعة ويكون التسجيل في النظام بحيثية (أسر منتجة). 2- أن يكون مستفيداً من الضمان الاجتماعي أو مرافقاً سواءً أكان مشمولاً أم غير مشمول بسبب تجاوز الأسرة عدد (8) أفراد. 3- أن لا يقل عمره عن (02) عاماً وأن لا يتجاوز (56) عاماً. 4- لا يرتبط مبلغ مساعدة (أسر منتجة) بعدد أفراد الأسرة. 5- يصرف شيك المساعدة دفعة واحدة للمستفيد أو المستفيدة (صاحب المشروع). 6- أن يكون المستفيد أو المستفيدة قادراً على العمل في المشروع. 7- أن يتناسب المشروع مع قدرات وخبرات المتقدم بطلب المساعدة. 8- عدم الاستعانة في المشروع بعمالة وافدة. 9- أن يتناسب المشروع مع طبيعة المنطقة وحاجة المجتمع المحلي. 01- أن يكون المشروع منافساً وذا جدوى اقتصادية للمستفيد. هذا بعض مما استخلصته مما وصلني من مطبوعات وزارة الشؤون الاجتماعية ، مما يؤكد أنها تسلك نهجاً جديداً في فلسفتها وأسلوب تفكيرها وآلياتها ، ورؤاها التي لا تقف عند حد الدعم المالي الشهري للمستفيدين ، بل تتعداه إلى الدعم الذي يحول تلك الأسر إلى أسر منتجة ، بدلاً من أن تقف دوما في محطة الاستهلاك التي لن تبرحها أبدا ، فيما لو استمر العمل بالنهج التقليدي السابق . لا ريب أن ما تقوم به الوزارة عمل رائد يستحق التقدير ، لكنه ينقصه الكثير من الدعاية التي تليق به ، إذ لم يسلط عليه الضوء لا في وسائل الإعلام ولا في غيرها من وسائل الاتصال الجماهيري الأخرى ، وعمل كهذا جدير بالدعاية وحري بالدعم ، فمثلاً أين البنوك و شركات الاتصالات من هذه المشاريع وهي التي ( أي شركات الاتصالات ) قدمت ملايين الريالات لدعم الفرق الرياضية التي ليست أحق بالدعم من الفقراء والمحتاجين ، إضافة إلى أن شركة الاتصالات السعودية لا تفتأ ترسل الرسائل للحث على المساهمة في دعم غسيل الكلى والتبرع بالدم ، فهلا ساهمت الشركة أيضا في دعم مشاريع الضمان الاجتماعي دعاية وتبرعاً ! إن ما أصدرته وزارة الشؤون الاجتماعية من كتيبات ومطويات دعائية يجب أن تعمل على توزيعه على أوسع نطاق ؛ ليعلم به القادرون على العطاء ، كما أنه يساعد على توعية الناس بأوجه الخير فليس صحيحاً أن الصدقة لا تؤتي ثمارها المرجوة إلا متى وجهت لبناء المساجد ! فأبواب الخير كثيرة ، ومساعدة الفقراء لا تقل أجراً عن ذلك أبداً . ولعلي أقترح على الوزارة أن تستعين على توزيع منشوراتها ومطبوعاتها بمتطوعين في جهات عامة وخاصة ومدارس وجامعات ووسائل إعلام مختلفة لتصل إلى الناس كافة ، أما فيلم العطاء فإني أتساءل لماذا لم يبث عبر قنوات التلفاز المحلية ، فهو عمل على درجة عالية من الجودة محتوى ورسالة . ومن أجمل العناوين الدعائية فضلا عن جودة الورق والإخراج والطباعة : ( أنت فطن ، لكن لا يخدعوك فلا تدع زكاتك وصدقاتك تذهب إليهم ، نحن الأعرف بفقرائنا ) و ( هم من أهلنا ، نبحث عنهم بالستر ونصرف لهم باليسر ، فهل تدعمنا ؟ ) و ( الضمان الاجتماعي بوابتك للوصول إلى المستحقين ) و ( المحتاج المتعفف ، هدفنا ، لنتعاون للوصول إليه ) و ( لا تطعمني سمكاً ، لكن علمني كيف أصطاد ) و ( حين يقل عطاؤكم ، تجف سنابل الخير ) . وأخيراً إن ما يقوم به الضمان الاجتماعي عمل جاد تنقصه الدعاية والدعم .