الشاعر عبدالله باهيثم كان بيننا في المحافل الأدبية والثقافية بالتواجد الإيجابي المتمثل في مبادراته إلى التعليق والتعقيب والمداخلة التي دائما ماتكون حاملة لشيء من الإثارة أو المخالفة لكونه يتعامل مع الثقافة ومايخص الإبداع بالصدق الذي ينطوي عليه تكوينه إذ يذهب إلى محاولة الدخول من باب المصارحة للصديق والبعيد فكلاهما عنده سواء لايفرق في حالة وقوفه على المنبر بين الاثنين ، فالفرق عنده في الموضوع وكيف كان طرحه وما هو في عرفه مناسب أوغير مناسب وما يتوجب أن يكون عليه ، فكانت تنناوله بعض الأقلام والألسن بعبارات عنيفة تتكئ على عدم الرضا لأنها لم تجد منه التمجيد أو المسايرة بل كان العكس فحددت ذلك على أنه موقف معاد للطرح ، ومع العنف كان يقبل ولكنه لا يتنازل بل يعيد الكرّة مما سبب له من المشاكل التي لا تتعدى المحيط الدائر في مجال الثقافة والإبداع وهو سعيد بذلك لأنه قال مايريد أن يقول بصراحة. عبدالله باهيثم كتب نصوصا وقصائد شعرية مفعمة بالصدق وكانت على عجالته في تدوينها وتكاسله في نشرها تقول هذا هو أنا (ع. باهيثم) فصورها من جذورها إلى أعاليها قد ملخت ونزعت من قلب مشاعره بكل صدق تؤطرها عبارته الطرية المنتقاة بحدس الشاعر الفنان الذي يتحسس مواطن الجمال في ذاته ولو أنها تلقائية فهو يضيف إليها من اللمسات ما يضفي عليها جماليات أُخر بفعل المراجعة بعين النقد الذاتي المتمكن منه تبعا لقراءاته وتكوينه المبني على فهم العمل ومدى مساحاته التي يمكن أن يتحرك فيها دون أن يُصدم بعائق يؤثر في مكامن ومساحات الجمال الفني التي يتوجب أن ينطلق فيها ، وقد كانت أشعاره مثار جدل خاص وعام بينه وبين نفسه ، وبينه وبين المتلقين من ذوي الهمّ الثقافي والمشتغلين عليه كمشاركين أومراقبين وربما متشعلقين بحبال الوهم الذي يرون أنفسهم فيه ، وهو لم يترك المداولة والمتابعة عن قرب لكي يكون في الصورة ظاهرا ومعلنا عن ذاته بجلاء ووضوح ودون مواربة ، فكان يقول بصدق موضوعي وفني فلا فرق بينهما لديه حيث يوليهما كبير اهتمامه الفطري والمكتسب عن طريق متابعة المستجد قراءة وسماعا وبالوسائل المساعدة على عملية المتابعة التى تؤدي أبدا إلى التعمق في الشيء ومعرفته وكيف يتوجب أن يكون في العرف العام الذي هو الحكم ولكونه المعني بالعطاءات من قبل المبدعين والمعطين بأشكال مختلفة حتمت التلاقي بينهما في تجاذب مستحب للطرفين في تكوين المعادلة التكاملية في الأخذ والعطاء . في تعامله مع شعره كان الناقد الفنان يقول مايريد أن يقول ويتوجب عليه البوح به حتى لوكان مؤلما ، ففي مرضه وفي حمى معاناته يلتقط صورته ويؤطرها مذكرا بمبدعين شعراء رثوا أنفسهم قبل أن يرثيهم الناس والشعراء مثل مالك بن الريب ، ولبيد العامري ، وعبدة بن الطيب ، وابن حذاقة العبدي فباهيثم يقول في قصيدة ديمة : راحل يابنتي مذ أضعتك عند السفوح البعيدة ما عدت أكذب إلا قليلا ما عدت أحلم أني أغنيك شعرا جميلا ماعاد يشهق عن دهشة نزق الطفل في أفق عينيك منذ هما عنبا ونخيلا . . . . . . . . قومي على نخلة في أعالي الحجاز البعيد فإن لاح في الأفق صارية للبريد فألقي على كتفيك العباءة واستبقي نحو شمس (الحجون ) إذا راقصتها أكف البنات تحاصرها – دان ياليل دانة – واعتمري طرفا من جنون أبيك وانتبذي بعض موتي الوشيك - وإن خفت - فاختبئي بين أوردتي وهوى أغنياتي القديمة . باهيثم الشاعر الفنان المشاغب إبداعا رحل قبل سنوات ولكنه باق في نفوس محبيه الذين سيتذكرونه ابداً لأنه كان يحبهم بصدق وعلى طريقته الخاصة التي أحببته من أجلها . عاودتني ذكرى باهيثم الشاعر وأنا أتصفح ديوانه الشعري ( وقوفا على الماء ) الصادر عن نادي حائل الأدبي ، فرب ذكرى قربت من نزحا .