أتذكر موقفاً حصل لي في الطائرة عند بداية ظهور الجوال المزود بكاميرا تصوير حينها كنت امتلك جوالاً مزوداً بكاميرا وعند صعودي إلى داخل الطائرة جلست في احد المقاعد وكان بالقرب من مقعدي في الطائرة طفلة صغيرة وبجانبها أمها وعندما أردت إغلاق جهاز الجوال شاهدت الطفلة الجوال بيدي وأخذت تخبر والدتها بصوت مسموع وتشير إلي وتقول: «ماما.. ماما.. هذا معاه جوال أبو كاميرا!» بصراحة تفاجأت بما سمعته من هذه الطفلة والتي ربما لم تتجاوز السادسة من عمرها ولاغرابة في الموقف خاصة أن هذا الجوال في تلك الأيام كان من المغضوب عليهم وخاصة أن البعض كان حينها يحلف أيماناً مغلظة أن هذا الجوال وشاكلته لن يدخل بيته!! ولكن الغرابة تكمن فيمن صدر منه الكلام كيف تم إيصال فكرة المنع والتحذير إليه من هذه التقنية! ومع مرور الأيام أصبح جوال أبو كاميرا يسبق البعض في الدخول إلى البيوت بل أن جوالات النساء حالياً أكثر تقنية وتطوراً من جوالات بعض الرجال!، فجوال أبو كاميرا سبقه السيكل والتلفزيون والدش وكثير من الأشياء التي كانت تصور لنا ولآبائنا أنها من المنكرات الجسام إن لم يعدها البعض من الكبائر! الاسطوانة تتكرر رغم تغير الأجيال والثقافات ودائماً التخويف والترهيب هو ديدن البعض دون أن يتم اخذ المفيد من أي شيء بدلاً من موضوع المنع الكامل والتنكير والتكفير ، بعض الأشخاص يعتقد نفسه انه المهدي المنتظر ويقف أمام هذاالطوفان من التغير بطريقة غريبة قد تجرفه بقوة وينهار بعدها، فليس هناك حلول أخرى لدى البعض سوى حل واحد سئم منه الكثير ومع مرور الوقت رفضه الكثير وسيرفضه البقية حتى لو كان في مصلحتهم، المجتمع والدنيا والكل يتغير والمفروض أن يستغل البعض هذاالتغير في تغيير طريقته للاستفادة من ذلك في الوصول إلى هدفه. تذكرت الموقف السابق وأنا أشاهد الفوضى والضجيج الذي ملأ الدنيا والإعلام وخاصة الصحافة بسبب عرض فيلم (مناحي) وما نتج عنه من مشاكل من البعض وما نتج عنه من توزيع للجنة والنار على البشر! ف (غول) السينما لا زال مسيطراً على عقول البعض رغم أن السينما وأدهى من السينما منتشرة في الكثير من البيوت، ولا اعلم لماذا يركز البعض على الشكل دون التركيز على المضمون!، فما الفرق بين السينما وبعض الفضائيات؟ ما الفرق بين السينما والفيديو؟ ما الفرق بين السينما وأشرطة الدي في دي؟ ما الفرق بين السينما والإنترنت؟ وما الفرق بين مشاهدة السينما داخلياً أو مشاهدتها في دول خارجية إسلامية وغير إسلامية؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى أكثر من إجابة عقلانية واقعية ومنطقية، ولكن من يجيب؟! وفي اعتقادي أن مسألة الخوف من بعبع السينما ليس لشيء سوى لأنها ثقافة المنع التي انتشرت في فكر البعض وأصبح يتمتع بها دون سبب سوى أنه الفكر الأحادي الخاص الذي يمتلكه أشخاص بعضهم ليس حديث عهد بهذه الثقافة بل إنهم سبق وأن جربوها طبقوها سابقاً هم أو من سبقوهم وفشلت!، وذلك بدءاً من التلفزيون والسيكل والدش وجوال أبو كاميرا وأي شيء جديد! الخوف وعدم محاولة الاستفادة الصحيحة من التغيرات المتتالية التي تجتاح العالم أجمع والذي أصبح كالقرية الصغيرة هما السببان الرئيسيان وراء تلك الثقافة الغربية والمتأصلة لدى البعض دون التركيز على تلك الممنوعات (في اعتقادهم) من جانبها الإيجابي والتفكير لماذا لا يجعلها البعض وسيلة له لتوصيل ما يريد وخاصة أنها تعتبر نقاط جذب لعدد كبير من أفراد المجتمع ومنها يسهل لدى من يريد في إيصال ما يريد لأكبر شريحة بطريقة منطقية مقبولة قد تكون سبباً في الكسب أكثر من أن تكون سبباً في الخسارة، لماذا ينتهج البعض مسألة المنع والحجب ونحن نعرف جيداً أن النفس ترغب في كل شيء ممنوع وأن النفس لا ترضى بالإجبار والإكراه!، فكيف نطوعها لتقبل أفكارنا التي نراها صحيحة بكل يسر بدلاً من أن نجعلها لا تنفر من أفكارنا فقط! بل تنفر من أشخاصنا! فيلم (مناحي) لا يعنيني بشيء فهو مجرد شخصيات بشرية لديها فكرة ورسالة تريد أن توصلها بطريقتها الخاصة مثلها مثل معظم البرامج والأفلام صالحها وطالحها، وفكرة الفيلم جميلة بغض النظر عن ما فيه من أشياء قد ينكرها البعض وبغض النظر عن طريقة عرضه سوءاً عن طريق السينما أو الفضائيات وقبلها عبر أشرطة الدي في دي!، إلا أنها فكرة من عدة أفكار يريد أن يوصلها البعض بطريقتهم الخاصة. إنهم الأشخاص الذين لا يرضرون إلا بفكر واحد فقط رغم تعدد الأفكار والمذاهب، إنهم الأشخاص الذين يلزمون الآخرين بأفكار حولها الكثير من الآراء والتشريعات والاختلافات، إنه الأسلوب الغريب والعجيب في التخاطب مع الآخر! وتلك الأمور والمجادلات والغضب الغريب ليس محصوراً على السينما والجديد من التقنية بل في أمور عدة من حياتنا، فهنالك أشخاص يعتقدون أنهم موكلون في تصرفاتنا وأفعالنا ورغم اعتقادهم الغريب هذا إلا أنهم لا يعرفون كيف يقنعوننا بطريقة صحيحة بل إنهم يجهلون أحياناً أدب الحوار الصحيح مع الآخر وإيصال الفكرة بسلاسة ومنطقية ويجهلون اختلاف مذاهب وطبائع البشر!