قد يرى الإنسان أحيانا الأمور بصورة ذهنية مختلفة ويتصرف بطريقة سلبية، وفي السفر بشكل خاص تتكرر مشاهد للسياح تتمثل في سلوكيات البعض، والتي تؤدي الى رسيخ صور ذهنية مغايرة للواقع. وفي السطور الآتية موقف مؤثر للغاية فيه رسالة واضحة حول طريقة التفكير. ذكر لي أحد الاصدقاء أن زوجته تعرضت للاصابة بمرض عضال (السرطان) كفانا واياكم شر هذا المرض، مما استلزم منه السفر الى الخارج برفقة زوجته المريضة وابنته الصغيرة، وأثناء تردده على المستشفى في الولاياتالمتحدةالأمريكية وجد الرجل تعاطفاً كبيراً من قبل جيرانه اذ قاموا باستضافة ابنته الصغيرة في الفترات التي لا يتواجد فيها بسبب ظروفه التي تحتم عليه البقاء بالمستشفى لمرافقة زوجته، بعد عدة أشهر توفت زوجته ولم يكن هنالك بداً من العودة الى الوطن، نقلت الزوجة المتوفاة في تابوت برفقة الزوج والابنة بنفس الطائرة، ولكن الحزن لم يدرك هذه الأخيرة فهي منذ جلوس والدها على مقعد الطائرة تبكي وتطلب الذهاب الى والدتها، وبعد ساعات تحول البكاء الى ضجيج، استنكر أحد المسافرين الذي يجلس بجوارهما سلوك الوالد ووبخه على عدم اهتمامه براحة الآخرين، وطلب منه إرسال الطفلة إلى أمها، رد الأب والأسى يكسو ملامحه ن زوجته ترقد في تابوت مع أمتعة الشحن بنفس الطائرة، وهذا ما لا يستطيع أن يشرحه لطفلة لم تتجاوز العشر سنوات، صدم المسافر بما سمع وانتابه شعور حاد بتأنيب الضمير مما جعله لا يتحرك ساكنا لبرهة، وأخيراً تجاوز صدمته واعتذر إلى الأب لعدم معرفته بحقيقة الأمر وعرض عليه خدماته في حالة احتاج إلى أي مساعدة وظل مجاورا مساندا له طوال فترة الرحلة، ومهدئاً الطفلة الى أن وصلوا سالمين إلى أرض الوطن. *** وفي هذا السياق أيضا تجربة للكاتب استيفن كوفي في كتابة «العادات السبع الأكثر فاعلية» ومضمونها باختصار أنه ركب قطار الانفاق في مدينة نيويورك، وكان الركاب جالسين والجو مفعماً بالهدوء، وفجأة صعد رجل يصحبه أطفاله الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم وشقاوتهم عربة القطار، جلس الرجل الى جانبه واغلق عينيه غافلا عما يبدو من المقوف. وكان الأمر مثيرا للازعاج، ورغم ذلك استمر الرجل في جلسته الى جاوره دون أن يحرك ساكنا وبقدر غير معتاد من الصبر وضبط النفس، التفت الى الرجل قائلاً: إن اطفالك يا سيدي يسببون إزعاجا للكثير من الناس، فتح الرجل عينيه كما وكأنه يعي الموقف للمرة الأولى وقال في لطف: إنك على حق.. يبدو انه يتعين علي أن أفعل شيئا ازاء هذا الأمر.. المعذرة إنني منذ 24 ساعة لم أذق طعم الراحة أو النوم وإنني عاجز عن التفكير وأظن أن الأطفال لا يدرون كيف يواجهون الموقف أيضا. لأننا قبل قليل قدمنا من المستشفى حيث لفظت والدتهم أنفاسها الأخيرة. عندها توقف الكاتب قليلا وقال لنفسه: حدث تغير في الصورة الذهنية، لقد رأيت الأمور مختلفة فجأة، ونظراً لأنني فكرت بصورة مختلفة وتصرفت بصورة مختلفة فكأنت ردت الفعل أيضاً مختلفة، فسرعان ما تحول الغضب والانفعال الى هدوء فتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم دون قيود. وبدأت بمواساة وعرض المساعدة له، ويلخص الكاتب أنه إذا رغبنا في إرجاء تغيرات نسبية في حياتنا فيمكننا التركيز بطريقة ملائمة على توجهاتنا وسلوكياتنا، أما إذا رغبنا في اجراء تغير جوهري وكمي فإنه يتعين أن تنصب جهودنا على تصوراتنا الذهنية الأساسية، وأعتقد أن الشق الثاني من العلاج الذي ذكره المؤلف في كتابه.. هو ما نبحث عنه لتغير الصورة الذهنية عن السائح السعودي وربما العربي وبوجه عام، وكذلك عن السياحة كمفهوم داخل مجتمعنا بداية تظهر الحاجة الى التحول من الصفات الأخلاقية الذاتية المكتسبة التي اخذتنا بعيدا عن الجذور الى الصفات الأخلاقية المثالية التي تنطلق من ديننا الإسلامي الحنيف ومن عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، حتى يرانا العالم بصورة جديدة ونراه نحن ايضا بصورة أخرى. *** استشهد هنا بتصريح سابق للأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار تحدث فيه عن الصورة الذهنية التي اقترنت بالسياحة السعودية. وبصراحته المعهودة وضع الأمير سلطان يده على موضع الألم في جسد السياحة السعودية، حدد العلة التي يمكن استئصالها أو تبديلها..! أكد خلال هذا التصريح على أن السلوكيات السلبية لبعض السياح السعوديين في الخارج ولدت صورة ذهنية مهزوزة داخل وخارج السعودية حول السياحة، وأن هناك حاجة وضرورة ملحة لعلاج هذه الصورة المهزوزة. *** القضية أكبر من مجرد تغير في السلوك بل هي تطوير في طريقة التفكير، هنا تبرز حاجتنا الى الدور التربوي أو التوعوي الذي يركز على الجذور وهي عميقة بعمق ديننا الحنيف ورؤيته الشاملة كمنهج حياة صالح لكل زمان ومكان والتعامل مع كل البشر.. *** الافراط سلوك عربي: مفرطون في احزاننا وفي افراحنا، في سخطنا وعاطفتنا وحتى في انفاقنا!.. فأين نحن من الوسطية والاعتدال؟! فلا تجعل صغائر الأمور أو سلبيات الآخرين في السفر تفرض عليك سلوكاً تندم عليه أو تعكر صفو رحلتك.. فكن جميلاً ترى الوجود جميلاً. * رئيس تحرير مجلة سواح